الوصية التاسعة :
"وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا"
الوفاء بالعهد أصل من أصول الشريعة التي يتحقق من خلالها الخير والعدل والصلاح ، واستقامة أحوال المجتمع ،
فعلى المسلم أن يكون وفياً مع الله ، فيما عاهد عليه الله من الاستقامة على العقيدة ، والبعد عن قتل الولد أو إهماله ، وعدم ممارسة الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن ، وصيانة النفوس ، والمحافظة على مال اليتيم ، وحسن التعامل في الكيل والوزن ، وكل المبادلات التجارية ، وتطبيق العدل على كل الناس .
وبالجملة فيتعين على كل مسلم الوفاء بما عاهد عليه الله :
"وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً " الإسراء ﴿٣٤﴾
وقول الله تعالى : "وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"
الفتح ﴿١٠﴾
وقوله تعالى : "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾
لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٢٤﴾"
الأحزاب
وقال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" المائدة ﴿١﴾
فالمسلم عليه الوفاء بكل التزام من عقد أو عهد ؛ لأن تنفيذ العهد دليل بر ووفاء ،
والإخلال به من مظاهر الكفر والنفاق ، قال عليه الصلاة والسلام ، فيما يرويه عن ربه عز وجل :
"ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ :
رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى عَمَلَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ"،
البخاري في صحيحه
عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال :
"يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , يُقَالُ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ"
الْبُخَارِيُّ
الوصية العاشرة :
"وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"
وهذه الوصية تمثل خلاصة الدين كله ؛ لأن من التزم بصراط الله فقد اهتدى إلى سواء السبيل ، وسلك طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .
والالتزام بسبيل الله يعصم من الزلل ، ويحمي من السوء ، ولأن الصراط هو دين الله وطريقه الذي لا عوج فيه ولا أمتا .
فمن الواجب على كل مسلم أن يسلك هذا السبيل ، ويهتدي بهذا الصراط ، ويترك السبل الباطلة ، والطرق المعوجة ، والمبادئ الفاسدة ، والأديان المنسوخة .
عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ :
{خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا فَقَالَ : " هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ" .
ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا يَمِينًا وَشِمَالا ، ثُمَّ قَالَ :
"هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ،
ثُمَّ قَرَأَ :(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)
سورة الأنعام آية 153 "}
وبعد : فهذه هي الوصايا العشر التي اشتملت على أسمى وأصدق وأفضل ألوان التربية للأفراد والجماعات ،
إذ المتأمل فيها يراها قد وضعت أساس العقيدة السليمة ، القائمة على إخلاص العبادة لله الواحد القهار ،
كما يجدها قد أقامت الأسرة الفاضلة على أساس الإحسان بالوالدين ، والرحمة بالأولاد ،
كما أنها قد حفظت المجتمع من التصدع والاضطراب عن طريق تحريمها لانتهاك الأنفس والأموال والأعراض ،
ثم ربطت كل ذلك بتقوى الله تعالى التي هي منبع كل خير وسبيل كل فلاح ، وهي جماع الأمر كله وهي الغاية التي يتحقق معها الفوز والظفر بالمطلوب .
فالتقوى كما فسرها العلماء هي :
ألا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك ، وبها صلاح الأمر كله.
فالتقوى في القلب هي التي تؤهل الإنسان للانتفاع بهذا الكتاب ،
هي التي تفتح مغاليق القلب له ، فيدخل ويؤدي دوره ،
هي التي تهيء لهذا القلب أن يلتقط ، وأن يتلقى وأن يستجيب ....
ورد أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سأل أبي بن كعب رضي الله عنه عن التقوى ، فقال له :
(أما سلكت طريقاً ذا شوك ؟ قال: بلى !
قال: فما عملت ؟ قال : شمرت واجتهدت .
قال: فذلك التقوى).
فتلك التقوى حساسية في الضمير، وشفافية في الشعور، وخشية مستمرة ، وحذر دائم ، وخوف لأشواك الطريق ..
طريق الحياة الذي تتجاذبه الرغائب والشهوات ، وأشواك المطامع والمطامح ، وأشواك المخاوف والهواجس ، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء ، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا ..
وإذاً فالتقوى جماع الخير كله ، وبها صلاح الأمر كله ،
"إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴿٥٤﴾ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴿٥٥﴾"
القمر
نسأل الله تعالى أن يسلك بنا طريق المتقين ، وأن يجعلنا من الفائزين ،
وأن يهدينا صراطه المستقيم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.