الـتــمـويــه والـــخــداع
تماماً كما هو الحال بالنسبة في الصورة السابقة ، تحاكي الكثير من الحيوانات نظيرتها من الحيوانات
أو النباتات الخرى ، وهو ما يكون أحياناً حداً فاصلاً بين الحياة أو الموت ؛ إذ تساعد المحاكات الكائنات
الحية في جوانب كثيرة : فثلاً يمكن للكائن الحي استخدامها بطريقة تجعل رؤيته صعبة على أعدائه ،
أو تربكهم ؛ مما يتيح له فرصة للهرب ، كما يمكن أن يستخدم الكائن الحي هذه الوسيلة في الإتجاه
المعاكس تماماً حسب حاجته ، كأن يستخدمها كوسيلة لجذب حيوانات اخرى إليه .
تتشابه أشكال الحيوانات التي تستخدم هذه الوسيلة مع أشكال حيوانات أو نباتات أخرى
دون إغفال أي تفصيلة ولو صغيرة ، فعلى سبيل المثال يتطابق شكل ضفدع بقايا الأوراق البني
Leaf - litter Toad تقريباً مع شكل أوراق الأشجار ؛ إذ يبدو الخطوط على ظهره كالعروق
على سطح الأوراق الحقيقية ؛ مما يعطي الضفدع القدرة على الإندماج والتخفي بين أوراق الأشجار
البنية الميتة التي تغطي أرضية الغابة .
وتُعرف حشرة البقة الشوكية Thorn Bugs بقدرتها الخارقة على التقليد والمحاكاة أيضاً ؛
إذ يبدو الشكل المعقوث على ظهرها كالأشواك تمااً ، وعندما تتجمع هذه الحشرات مع بعضها فوق
أحد فروع الأشجار ، يبدو شكلها كالأشواك ، حتى يخيل للرائي أن الأشواك تغطي هذا الجزء من
الفرع ، وهكذا تهرب الطيور بعيداً ، فمن الطبيعي أنه لا يوجد بينها من يرغب في الإقتراب من غصن مليء
بالأشواك .
تفتقر بعض الحيوانات الى آليات قوية للدفاع ؛ لذا فإنها تلجأ لتقليد الشكل الخارجي للحيوانات الأخرى ذات
الآليات الدفاعية القوية ، فمثلاً تتشبه ثعابين اللبن milk snakes في شكلها الخارجي بثعابين المرجان
coral snakes من خلال ألوان جلدها التي هي مزيج من الأحمر والأصفر ، فالنوعان يبدوان شديدي الشبه ببعضها
، إلا أن هناك فرقاً واحداً كبيراً ، هو أن ثعابين المرجان سامة ومميتة ، على عكس ثعابين اللبن ، وهذا يجعل التفرقة
بينهما أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة للحيوانات المفترسة ؛ مما يضطرها في النهاية لتجنب مهاجمة كلا النوعين ، فمن الأكثر
أماناً للحيوانات المفترسة في هذه الحالة خسارة وجبة قد تكون لذيذة بدلاً من الوقوع ضحية لعضة ميتة !
من المنطقي أن تقلد الحيوانات الضعيفة حيوانات أخرى أكبر وأقوى وأكثر سمية منها ؛ إلا ان بعض
الحيوانات قد تقلد بعضها الآخر حتى وان كانت على نفس الدرجة من الخطورة ، وهذا المبدأ الذي نلاحظه
في ضفادع المانتيلا Mantella . تختلف وتتنوع أشكال ضفادع الانتيلا وألوانها إلا أن شكل النوعين من هذه
الضفادع متطابق الى حد كبير ؛ لدرجة يصعب معها التفرقة بينهما ، وحتى العلاء يعانون صعوبة كبيرة في ذلك ،
لكن إذ كان هذان النوعان سامين بطبعتهما لأن يقلد أحدهما الآخر ؟ يعتقد العلماء أن هذا يساعد كلا النوعين
في تأمين نفسيهما من أعدائهما المشتركين تحقيقاً لمقولة الاتحاد قوة .
ويظهر التطبيق العملي لمقولة الاتحاد قوة بالنسبة للحيوان المفترس عند لقائه بضفدع من النوع السام ؛ مما يدفعه للابتعاد
عن الضفادع الشبيهة به أيضاً ، وحتى وإن لم ينتهج الحيوان هذه الطريقة في السلوك فإن نسبة نجاحه في الإمساك بالفريسة
المناسبة تقل الى النصف من بعد قسمة العدد الموجود على نوعين اثنين ؛ مما يمنح الفريسة فرصة أكبر للهرب .
في عالم الحيوانات الطائرة تجد أن الخطوط على أجسام النحل والدبابير تحمل اللونين الأصفر والأسود ، وكلاهما له زبانى
لاسع . وتقلد بعض أنواع الفراشات بعضها ح حيث يمكنك أن تلحظ الشبه الكبير بين فراشات رجل البريد
Postman Butterfly بألوان أجنحتهما الزرقاء مع خطوط بيضاء وحمراء عليها ، وهكذا ترى الطيور كلا النوعين كنوع
واحد ن كما أن طعم كليهما فظيع أيضاً !
وفي عالم الطبيعة الذي يعج بالحيوانات المفترسة ، تحتاج الحيوانات للتسلح بكل الوسائل الدفاعية التي تستطيع الحصول
عليها . وبالنسبة للحشرات صغيرة الحجم فإن تقليد النمل يعد إحدى وسائل الدفاع الفعالة ، إذ يتمتع النمل بقدرته على
العض واللسع والتكاثف في وجه أعدائه ، واذا افترضنا عدم كفاية هذه الأسباب يبقى سبب أخير يدفع الحيوانات المفترسة
للابتعاد عن النمل ؛ وهو طعمه السيء !
وللأسباب السابقة كلها ، تتجنب العديد من الحيوانات المفترسة مهاجمة النمل ؛ مما يدفع الكثير من الحيوانات الزاحفة في
المقابل للتشبه به ومحاولة تقليده في مظهره وتصرفاته ؛ ليساعدها ذلك في الحفاظ على سلامتها .
اتقنت حوريات بق النبات plant bug nymphs فن السلوك الغريب للنمل ، فقد تعلمت كيف تبدو وتتصرف تماماً
كالنمل السام الشائك الذي يعيش حولها ؛ لذلك فإن الحيوانات المفترسة تحرص على تجنبها ؛ مما يتيح المجال
لحوريات البق في امتصاص السائل الذي يجري في أوعية النباتات في سلام . ومع ذلك يجب عليها ان تكون
حذرة ؛ لأن النمل إذا اكتشف خدعة البق فإنه سيهاجمه ؛ هذا هو حق الجيرة في عالم الحيوان ؟
ليست كل الحيوانات التي تقلد النمل تشبهه ، فبعضها يكتفي بتقليد تصرفاته ، وهو ما يمكن أن يكون مفيداً
أيضاً ، فالعناكب القافزة Jumping spiders تحرك أرجلها الأمامية لتبدو كقرون استشعار النمل ، كا انها
تسير في خطوط متعرجة ، وهي نفس الطريقة التي يسير بها النمل أثناء تتبعه للروائح .
وتتحرك حوريات البق القاتل في مجموعات كبيرة تماماً مثل العديد من أنواع النمل الأخرى ، مرة أخرى تظهر أمامنا
المقولة الشهيرة الاتحاد قوة ، فنملة واحدة يمكن أن تكون وجبة مغرية ، ولكن الحيوانات المفترسة تبقى بعيدة عن
جحافل النمل .
بعض الحيوانات تتبع أسلوب الصدمة Shock ، فهي تفزع الحيوانات الفترسة بعينين كبيرتين مزيفتين أو برءوس
مزيفة ، فبعض الحشرات لها بقعتان كبيرتان تبدوان كعينين إضافيتين . وقد توجد هاتان البقعتان على أجنحة الحيوان أو على
رأسه أو جانبي جسمه ، وتفزع البقع في الغالب الحيوانات المفترسة التي تعتقد أن البقع أعين كبيرة لحيوان أكبر .
يرقة فراشة الورقة الميتة Deadc- lead caterpiller لها أعين مزيفة في أعلى رأسها . وتفاجئ العيون الطيور المهاجمة ؛
مما يمنح الفراشة بعض الوقت للهرب ، وإذا لم ينفع هذا فلليرقات أسلوب دفاعي آخر ، إذ تقع الأعين الكبيرة المخيفة على رأس
ضخم شبيه برأس ثعبان .
بمناسبة الحديث عن الرؤوس فإن رأسين أفضل من رأس واحد ! حيث يبدو ثعبان البواء المطاطي rubber boa
وكأن له رأساً في كل طرف من طرفي جسمه ، وبهذا يمكن أن تهاجم الحيوانات المفترسة الذيل بدلاً من الرأس ،
وتكون للثعبان فرصة أفضل للنجاة ن هجوم تشنه الحيوانات المفترسة على الذيل بدلاً من الرأس ، أيضاً أثناء عض الحيوان
المفترس الذيل ، يمكن للثعبان القيام بهجوم معاكس بالرأس الحقيقي .
عندا يتعلق الأمر بالطبيعة فغنه لا يمكنك دائماً تصديق ما تراه بعينيك أو تشمه بأنفك أو حتى ما تسمعه بأذنييك ،
فلفرشات النمر Tiger moths خدعة خاصة لإبعاد الخفافيش bats عنها ، فهي تصدر نفس صوت الفراشات السامة
Moths Toxic ، في حين يطلق طائر الدرانجو Drongo صيحة تحذيرية شبيهة بصوت سرب كامل من الطيور .
ان معرفة أنواع المحاكاة المختلفة يمكن أن تساعدك على ملاحظة أشياء ربما أغفلتها من قبل ، والآن أصبح بإمكانك رؤية ا
لنباتات والحيوانات حولك بطريقة جديدة ، والتفرقة بين ورق الأشجار الحقيقي والضفادع ، والأشواك والبق ، وأزهار
والأوركيد والنحل