أصول العقيدة:
والإيمان بالله تعالى هو الركن الأول من أركان الإيمان التي أوضحها الرسول
(، وذلك عندما سأله جبريل -عليه السلام- عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله
وملائكته وكتبه ورسله...) [مسلم]. والإيمان بالله هو روح الإسلام، وأهم
ركن من أركان العقيدة الصحيحة، ومعنى الإيمان بالله هو أن يعتقد المسلم أن
الله هو رب كل شيء في هذا الوجود، ولا رب سواه، وأن الله خالق كل شيء ولا
خالق غيره، وهو المحي والمميت، والنافع والضار، وهو وحده -سبحانه- الذي
يستحق العبادة. ويعتقد المسلم أن
الله -تعالى- متصف بكل صفات الكمال، مُنزَّه عن كل صفات النقص.
والإيمان بالله هو أصل العقيدة وأول أركانها، فهي تدور في فلكه، وتستقي من
منابعه، فالمسلم إذا آمن بالله ربًّا فسوف يؤمن بملائكته ورسله وكتبه
واليوم الآخر، فلن يكون هناك إيمان بالرسل إلا إذا وُجد الإيمان بالله -عز
وجل- الذي أرسلهم، ولن يكون إيمان بيوم الحساب إلا بعد الإيمان بالله.
والإيمان بالله يتضمن الإيمان بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه،
وصفاته.الإيمان بالأنبياء والرسل من أركان الإيمانالسؤال: جاء في حديث جبريل الطويل عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن
الإيمان فذكر صلى الله عليه وسلم أركان الإيمان ، والتي من ضمنها الإيمان
بالرسل ، وكما هو معلوم أنه ليس كل نبي رسول ، فهل معنى هذا أنه لا يلزم
الإيمان بمن كان نبياً ولم يكن رسولاً ؟
الجواب :
الحمد لله
الإيمان الواجب هو الإيمان بالرسل والأنبياء جميعا ، وليس بالرسل فقط ،
وهذا من مسلمات الدين ، وأركان العقيدة المبينة في القرآن الكريم :
يقول الله تعالى :
( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ
إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ
النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/136.
ويقول سبحانه :
( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ
فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) البقرة/177.
فتأمل كيف افترض الله على المؤمنين به الإيمان بجميع الرسل والأنبياء ،
وسمى منهم إسماعيل وإسحاق والأسباط ، وأخبر عز وجل أن المؤمنين لا يفرقون
بين أحد من الأنبياء والرسل ، بل يعتقدون بكفر من أنكر نبوة من أثبت الله
نبوته ، لأن الكفر برسول أو نبي واحد كفر بجميع المرسلين .
قال القاضي عياض رحمه الله :
" حكم من سب سائر أنبياء الله تعالى...واستخف بهم ، أو كذبهم فيما أتوا به
، وأنكرهم ، وجحدهم ، حكمُ نبيِّنَا صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" الشفا " (2/1097)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والمسلمون آمنوا بالأنبياء كلهم ، ولم يفرقوا بين أحد منهم ، فإن
الإيمان بجميع النبيين فرض واجب ، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم ،
ومن سب نبياً من الأنبياء فهو كافر يجب قتله باتفاق العلماء " انتهى.
" الصفدية " (2/311)
وقال العلامة السعدي رحمه الله – في تفسير الآية السابقة من سورة البقرة - :
" فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء ، والإيمان
بالأنبياء عموما وخصوصا ، ما نص عليه في الآية لشرفهم ، ولإتيانهم
بالشرائع الكبار ، فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب أن يؤمن بهم على
وجه العموم والشمول ، ثم ما عرف منهم بالتفصيل وجب الإيمان به مفصلا "
انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/67)
وأما حديث جبريل المشهور من رواية الإمام مسلم (رقم/8) عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه ، ومما جاء فيه : ( قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ
؟ قَالَ : أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ،
وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ
وَشَرِّهِ )
فليس المقصود به الاقتصار على الإيمان بالرسل دون الأنبياء ، بل كلمة "
الرسل " هنا تشمل الأنبياء أيضا ، وإنما أطلقت هنا تغليبا لجانب الرسل
الذين هم أشهر وأظهر ، بدليل الآيات السابقة التي دلت على وجوب الإيمان
بجميع الأنبياء .
والتفريق بين الأنبياء والرسل ليس مضطردا في كل سياق ، بل متى جاء ورد ذكر
أحد الاسمين في النص : فالمراد به الأنبياء والرسل جميعا ، وإنما يفرق
بينهما إذا اجتمعا في نص واحد .