وَاتْلُ
مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لَكَلِمَاتِهِ
وَلَن تَجِدَ مِن دُونَهَ مُلْتَحَدَاً (*) وَاْصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلغَدَاةِ وَاْلعَشِىِّ يُرِيدُنَ
وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ اْلحَيَاةِ
اْلدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا
وَاْتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (*)
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس : ( لاَ مُبَدِّلَ لَكَلِمَاتِهِ ) أي لا مغيّر لها ولا محرّف ولا مؤوّل وقوله : ( وَلَن تَجِدَ مِن دُونَهَ مُلْتَحَدَاً ) عن مجاهد ( مُلْتَحَدَاً ) قال : ملجأ وعن قتادة : وليًّا ولا مولى
قال ابن جرير : يقول إن أنت يامحمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك , فإنه لا ملجأ لك من الله
وقوله : ( وَاْصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلغَدَاةِ وَاْلعَشِىِّ يُرِيدُنَ وَجْهَهُ )
أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه
ويسألونه بكرة وعشيًّا من عباد الله سواء كانوا فقراء او أغنياء أو أقوياء
أو ضعفاء يقال إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه
وسلم أن يجلس معهم وحده ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كبلال وعمار وصهيب وخباب
وابن معود وليفرد أولئك بمجلس على حدة فنهاه الله عن ذالك فقال : ( وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلغَدَاةِ وَاْلعَشِىِّ )
وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء فقال : ( وَاْصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلغَدَاةِ وَاْلعَشِىِّ )
وروى مسلم في صحيحه عن سعد هو ابن أبي وقاص قال : كنا مع النبي صلى الله
عليه وسلم سنة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا
يجترؤون علينا قال : وكنت انا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت
اسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشاء الله أن يقع
فحدث نفسه فأنزل الله عزوجل ( وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلغَدَاةِ وَاْلعَشِىِّ يُرِيدُنَ وَجْهَهُ ) انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري .
وقوله ( وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ اْلحَيَاةِ اْلدُّنْيَا ) قال ابن عباس : ولا تجاوزهم إلى غيرهم يعني تطالب بدلهم أصحاب الشرف والثروة ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ) أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع ولا تكن مطيعاً ولا محباً لطريقته ولا تغبطه بما هو فيه .
من تفسير ابن كثير .....