تجربة جمهورية مصر العربية:
إن رعاية الموهوبين والمتفوقين في مصر
تعود لأحداث ما قبل قيام "حركة التنوير والتحديث" وما قام به محمد علي
-والي مصر في القرن التاسع عشر- من جهود لتجميعهم وإرسالهم في بعثات
خارجية إلى أوروبا لدراسة العلوم الحديثة والتزود بالخبرات المتقدمة في
مختلف الفنون والصنائع، والأخذ بأسباب الحضارة الغربية، وكان المصلح
الاجتماعي رفاعة الطهطاوي على رأس أول بعثة منها إلى فرنسا عام 1826م، وقد
أصبح هؤلاء المبعوثون ومنهم الشيخ محمد عبده وعلي مبارك بمثابة الأساس
فيما بعد لحركة التنوير والتحديث ونهضة مصر الحديثة.
وفي عام 1932م تم إنشاء بعض الفصول التجريبية الملحقة بمعهد التربية والتي
تحولت فيما بعد إلى مدرسة نموذجية بحدائق القبة، تم التركيز فيها على
مبادئ التربية الحديثة ومراعاة الفروق الفردية، وكان التعليم فيها قائماً
على التدريس بطريقة المشروعات، كما تم إنشاء بعض الأندية الصفية للموهوبين
والمتفوقين ثقافياً واجتماعياً ورياضياً وفنياً كان يقوم على التدريب فيها
أخصائيون متمرسون على درجة عالية من الكفاءة في مجالات تخصصهم.
أما ما بعد ثورة 1952م فقد تم التركيز على ثلاث فئات من
المتفوقين في مصر هم: المتفوقون دراسياً، وذوو المواهب في الفنون الأدائية
كالبالية والموسيقى، والمتفوقون رياضياً، حيث بدأ الاهتمام الفعلي
بالمتفوقين دراسياً في العلوم والآداب في عام 1954م عندما خصصت لهم – بصفة
مؤقتة- فصول خاصة بمدرسة المعادي الثانوية النموذجية للبنين والتي استمرت
في قبول الطلبة الخمسة الأوائل بامتحانات الشهادة الإعدادية في كل محافظة
أو مديرية تعليمية إلى أن أنشئت مدرسة المتفوقين الثانوية بعين شمس عام
1960م ، وهذه الأخيرة تعدل اسمها عام 1990م إلى مدرسة المتفوقين التجريبية
النموذجية للبنين، وقد وصل عدد طلبة هذه المدرسة في عام 1968/1969م (280 )
طالباً.
لقد كان الغرض من إنشاء المدرسة هو إعداد ورعاية
المتفوقين علمياً واجتماعياً ورياضياً وصحياً ونفسياً بغرض تنمية قدراتهم
وإبراز مواهبهم، وضمان استمرار تفوقهم وحسن رعايتهم وتهيئة الظروف
الدراسية المناسبة، وإتاحة الفرص أمامهم للنمو الكامل، والوصول بقدراتهم
إلى أقصى ما يمكن، حتى يتحقق لهم استغلال طاقاتهم إلى أقصى حد ممكن
(التويجري ومنصور، 1421هـ).
وتهدف مدرسة المتفوقين إلى ما يلي:
1. الكشف عن استعدادات المتفوقين الكامنة، والعمل على تنميتها، وصقلها وتوجيهها وجهة اجتماعية علمية سليمة.
2. إعداد جيل من المتفوقين يتولى زمام القيادة ومهام البناء.
3. معاونة المتفوقين على مواصلة التقدم، وتريبهم على التفكير والبحث العلمي والإبداع والتجديد والاختراع.
4. ربط الشباب المتفوق بالفكر والعمل الوطني حتى لا ينعزل عن مجرى الأحداث,
5. تدريب الشباب الطليعي المتفوق على فهم طبيعة مشكلات المجتمع والإسهام في حلها عن طريق التخطيط السليم والتفكير العلمي المنظم.
6. ربط الشباب المتفوق بالمجتمع العربي والخارجي ربكاً متمشياً مع المبادئ والاتجاهات العربية. (القريطي، 2005؛ محمود، 1999).
ولم يبقى الحال على هذا الوضع، بل تم منذ عام 1960م
إنشاء مجموعة من الفصول الخاصة للمتفوقين ببعض المدارس الثانوية بالقاهرة
ثم امتدد الانتشار إلى مدارس باقي المحافظات بموجب القرار الوزاري رقم 114
لعام 1988م، وقد حددت بعض الشروط لقبول الطلبة في مدرسة عين شمس أو الفصول
الخاصة بالمدارس شملت حصول الطالب على نسبة 85% في امتحانات الشهادة
الإعدادية، وأن لا يكون قد رسب في أي صف من صفوف هذه المرحلة، وأن يجتاز
اختبارات القدرات العقلية العامة والتفكير الإبداعي التي أقرتها الوزارة
بموجب القرار الوزاري رقم 413 لعام 1996م، هذا بالإضافة إلى انطباق شروط
القبول في المرحلة الثانوية على الطالب المتقدم (القريطي، 2005).
أما عن وسائل تحقيق هذه الأهداف فقد عمدت وزارة التربية إلى:
- توفير الظروف التعليمية السليمة المدروسة بعناية والمحققة لاحتياجات هذه
الفئة من الطلبة من حيث الإشباع الفكري والتحدي المهاري والإعداد المهني
المستقبلي.
- تخطيط مناهج إضافية تناسب تفوق الطلبة وتساعدهم على تنمية مواهبهم واستعداداتهم.
- العناية بألوان النشاط التي تضمن انطلاق الطلبة وتسمح باكتشاف مواهبهم وتشبع ميولهم.
- تزويد المكتبة بالكتب والمراجع الحديثة لإتاحة فرص الإطلاع الخارجي في مختلف المجالات.
- تكوين التنظيمات القيادية المدرسية المختلفة التي تُدار بمعرفة الطلبة وتسمح بظهور القيادات وتنميتها.
- توفير المعامل والورش والأجهزة والوسائل التعليمية المختلفة التي تساعد الطلبة على الدروس والابتكار.
- توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمادية حتى لا تقف عقبات في سبيل التفوق.
- توفير إمكانات التعرف على البيئة والمجتمع والمشكلات الاجتماعية.
- توفير نظام للحوافز المعنوية والمادية.
(التويجري ومنصور، 1421هـ)
أما الموهوبون في الفنون الأدائية والمتفوقون رياضياً
فقد أنشئت لهم فصول خاصة كتلك التي أنشئت لرقص البالية في عام 1958م والتي
تطورت بعد ذلك لتصبح أكاديمية الفنون بالهرم عام 1967م، أو مدارس
الموهوبين رياضياً النموذجية كتلك التي أنشئت بمدينة نصر بموجب القرار
الوزاري رقم 249 لعام 1992م، وانتشرت مثيلاتها في باقي المحافظات بدعم من
وزارة الشباب وإشراف من قبل وزارة التربية والتعليم، بالإضافة إلى تلك
المدارس العسكرية الخاصة للموهوبين رياضياً التابعة للقوات المسلحة
المصرية (القريطي، 2005). منقووووووووووول