سميت هذه السورة المباركة بـ "سورة يس" لأن الله تعالى افتتح السورة الكريمة بها ، وفي الافتتاح بها إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم
يس
(1)}: قد تقدم القول في نظائر ذلك من فواتح السّور ، وقيل: هو قسم أقسم
الله به وهو من أسماء الله تعالى ، وقيل: معناه يا رجل ، وقيل: هو مفتاح
كلام افتتح الله به كلامه ، وقيل: بل هو اسم من أسماء القرآن الكريم...
والله أعلم
{وَالْقُرْآَنِ}: قَسَم أقسم الله تعالى به
{الْحَكِيمِ (2)}: المُحْكَم بما فيه من أحكامه ، وبيّنات حججه
{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)}: الخطاب لمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم
{عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)}: على طريق من الهدى لا اعوجاج فيه
{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ}: الْعَزِيزِ: في حكمه
{الرَّحِيمِ (5)}: بخلقه
{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ}: مَا أُنْذِرَ
آَبَاؤُهُمْ: قيل: ما انذر الله من قبلهم من آبائهم. وقيل: لم ينذر آباؤهم
حتى جاءهم محمّد صلى الله عليه وسلّم
{فَهُمْ غَافِلُونَ (6)}: عن الإيمان والرشد
{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7)}:
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ: وجب العذاب عليهم في أم الكتاب
{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ}: يعني: الكفّار
{أَغْلَالاً}: يقول عزّ و جلّ: إنا جعلنا أيمان (أيدي) هؤلاء الكفار
مغلولة (مقيّدة) إلى أعناقهم بالأغلال ، فلا تنبسط إلى شئ من الخيرات
{فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ}: يعني: فأيمانهم مجموعة بالأغلال في أعناقهم
{فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)}: "المقمح" أن يجذب الذقن حتى يصير في الصدر ، ثم يرفع رأسه
{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}: سَدًّا: حاجزاً عن الرشد
{فَأَغْشَيْنَاهُمْ}: فألبسنا أبصارهم غشاوة
{فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9)}: هدى ، ولا ينتفعون به
{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ}: إِنَّمَا تُنْذِرُ: إنما ينفع
إنذارك يا محمّد
{مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ}: آمن بالقرآن واتّبع ما فيه
{وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}: خافه ولم يره
{فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)}: هو الجنّة
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى}: للبعث
{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا}: مَا قَدَّمُوا: في الدنيا من عمل
{وَآَثَارَهُمْ}: ما سوّوه من حسن أو سئ
{وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ}: أحْصَيْنَاهُ: أثبتناه وحفظناه
{فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}: أصل بيّن (أم الكتاب)
{وَاضْرِبْ}: اجعل
{لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ}: الْقَرْيَةِ: ذُكِرَ أنها أنطاكية
{إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)}: رسل عيسى بن مريم عليهما السلام
{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا}: اثْنَيْنِ: ذُكِرَ أن عيسى عليه السلام بعث رجلين من الحواريين إليها
{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)}: فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ: شددناهما و قويناهما
{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ
الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا
رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا
إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17)}: الْبَلاغُ الْمُبِينُ: التبليغ المبين
الظاهر بالأدلة الواضحة
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}: تَطَيَّرْنَا بِكُمْ: تشاءمنا بكم
{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)}: لَنَرْجُمَنَّكُمْ: بالحجارة
{قَالُوا}: يعني الرّسل
{طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ}: أعمالكم وحظكم من الخير والشر معكم ، ذلك كله في أعناقكم ليس من شؤمنا إن أصابكم سوء
{أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ}: أي: أئن ذكّرناكم بالله تطيرتم بنا
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)}: مُسْرِفُونَ: متجاوزون الحد بشرككم
.{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ
اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)}: ذكر أن أهل هذه المدينة عزموا على قتل
هؤلاء الرسل ، فجاء رجل مؤمن كان في أقصى المدينة اسمه "حبيب النجار" ،
فجاء يسعى إليهم يذكّرهم الله عزّ و جلّ ، ويدعوهم إلى اتّباع المرسلين ،
فقتله أهل المدينة
{اتَّبِعُوا}: تأكيد للأول
{مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا}: على رسالته
{وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)}: فقيل له: أنت على دينهم ، فقال:
{وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي}: فَطَرَنِي: خلقني وأبدعني
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)}: بعد الموت فيجازيكم بكفركم
{أَأَتَّخِذُ}: استفهام بمعنى النفي
{مِنْ دُونِهِ}: أي غيره
{آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ}: آَلِهَةً: الأصنام
{لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ (23)}: لا تُغْنِ عَنِّي: لا تدفع عنّي
{إِنِّي إِذًا}: إن عبدت غير الله
{لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)}: مُبِينٍ: بيّن
{إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)}: أي اسمعوا قولي ، فرجموه فمات
{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}: قال له عزّ وجلّ إذ قتلوه: ادخل الجنة ، فدخلها فلما عاين ما فيها:
{قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي
وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ}:
قَوْمِهِ: قوم المؤمن المقتول
{مِنْ بَعْدِهِ}: من بعد مهلكه
{مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)}: قال ابن
مسعود: ما كاثرناهم بالجموع ، لم يبعث لهم جنودا يقاتلهم بها ، ولكنه
أهلكهم بصيحة واحدة أنزلها من السماء عليهم فلم يبق منهم باقية
{إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً}: صَيْحَةً وَاحِدَةً: صوتاً مهلكاً من السماء
{فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)}: خَامِدُونَ: هالكون
{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ
كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)}: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ:
معناه: يا ويلاً ، أو يا ندماً
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ}: كَمْ أَهْلَكْنَا: كثيراً أهلكنا
{مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31)}: مِنَ الْقُرُونِ: من الأمم الخالية
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا}: لَمَّا جَمِيعٌ: إلا مجموعون
{مُحْضَرُونَ (32)}: نحضرهم للحساب والجزاء
{وَآَيَةٌ لَهُمُ}: دليل لهؤلاء المشركين على قدرة الله
{الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)}: أَحْيَيْنَاهَا: بالماء
{وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}: جَنَّاتٍ: بساتين
{وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)}: وَفَجَّرْنَا فِيهَا: شققنا في الأرض
{لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35)}: أَفَلا يَشْكُرُونَ: أنعمه تعالى عليهم
{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا}: الأَزْوَاجَ: الأصناف والأنواع
{مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ}: من الحبوب
{وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ}: من الذكور والإناث
{وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36)}: من المخلوقات العجيبة الغريبة
{وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ
مُظْلِمُونَ (37)}: نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ: ننزع من مكانه الضوء
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}: لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا: أي إليه لا تتجاوزه
{ذَلِكَ}: جريها
{تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ}: في ملكه
{الْعَلِيمِ (38)}: بخلقه
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}: للنقصان بعد تناهيه وتمامه , و ورد أيضا: قدّرنا سيره في منازل ومسافات
{حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)}: الْعُرْجُونِ: هو من "العِذْق" من الموضع النابت في النخلة إلى موضع الشماريخ
{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ}: لا يصلح لها أن تدركه ، فيذهب ضوؤها بضوئه ، فتكون الأوقات كلها نهاراً
{وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ}: فتكون الأوقات كلها ليلاً
{وَكُلٌّ}: كل ما ذكرناه من الشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار
{فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}: يَسْبَحُونَ: يجرون
{وَآَيَةٌ لَهُمْ}: دليل لهم
{أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ}: يعني من نجّى من ذرية آدم
{فِي الْفُلْكِ}: في سفينة نوح
{الْمَشْحُونِ (41)}: المملوء
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ}: يعني: هؤلاء المشركين
{مِنْ مِثْلِهِ}: من مثل ذلك الفلك الذي نجّى به نوحاً ومن معه
{مَا يَرْكَبُونَ (42)}: من المراكب والسفن الصغيرة
{وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ}: فَلا صَرِيخَ لَهُمْ: فلا مغيث لهم
{وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)}: منّا إن أغرقناهم
{إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا}: من ربك في إنجائه لهم من الغرق
{وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}: فمتّعهم إلى أجلٍ ، إلى حين الموت
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ}: احذروا ما مضى من نِقَمِ الله في الأمم قبل أن يحل بكم
{وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)}: وَمَا خَلْفَكُمْ: وما بعد هلاككم مما أنتم لا قوه إن هلكتم على كفركم
{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ}: آَيَةٍ: حجّة وعلامة على توحيده
{إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)}: لا يتفكرون فيها
{وَإِذَا قِيلَ}: أي قال فقراء الصحابة
{لَهُمْ أَنْفِقُوا}: علينا
{مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}: من الأموال
{قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا}: استهزاء بهم
{أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}: في معتقدكم هذا
{إِنْ أَنْتُمْ}: ما أنتم في قولكم لنا ذلك مع معتقدكم هذا
{إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47)}: بيّن وللتصريح بكفركم موقع عظيم
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)}:
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ: الذي تذكرونه ، من قيام الساعة والبعث
{مَا يَنْظُرُونَ}: ينتظرون
{إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً}: نفخة البعث
{تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)}: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ: بمعنى: يختصمون في أمورهم غافلين
{فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ
(50)}: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً: أن يوصوا في أموالهم أحداً
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}: يعني بهذه النفخة: نفخة البعث
{فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ}: الأَجْدَاثِ: القبور
{إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)}: يخرجون سراعاً ، و "النسلان": الإسراع في المشي
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا}: هذا قول المشركين يومئذ
{مَنْ بَعَثَنَا}: من أيقظنا
{مِنْ مَرْقَدِنَا}: من الرقدة بين الصيحتين
{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ}: قول أهل الهدى والإيمان
{وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)}: فيما أخبرونا أنا نبعث
{إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)}: مُحْضَرُونَ: نحضرهم للحساب والجزاء
{فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)}: فَالْيَوْمَ: يوم القيامة
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ}: شُغُلٍ: نعيم عظيم يلهيهم عمّا سواه
{فَاكِهُونَ (55)}: متلذذون ، أو فرحون. وقيل: في شغل عما هم فيه أهل النار
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ}: وَأَزْوَاجُهُمْ: حلائلهم من أهل الجنة
{فِي ظِلالٍ}: لا يضْحون لشمس ، كأهل الدنيا ، لأنه لا شمس في الجنة
{عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)}: الأَرَائِكِ: السرر
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)}: يَدَّعُونَ: يتمنون
{سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}: من الله عزّ و جلّ يسلم الله عليهم ، فيردون عليه السلام
{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ}: تميزوا و انفردوا عن المؤمنين
{أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}: فإنكم واردون غير موردهم
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا
الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)}: أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ:
أوصكم ، أو أكلفكم
{وَأَنِ اعْبُدُونِي}: وحّدوني وأطيعوني
{هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)}: صِرَاطٌ: طريق
{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ}: صدّ الشيطان عن طاعتي
{جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)}: جِبِلاًّ: خَلْقاً أو جماعة عظيمة
{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)}: بها
{اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)}: اصْلَوْهَا: ادخلوها ، أو قاسوا حرّها
{الْيَوْمَ}: يوم القيامة
{نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ}: نطبع على أفواه المشركين فلا تنطق
{وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (65)}: بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ: في الدنيا من الآثام
{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ}: لَطَمَسْنَا: لصيّرناها ممسوحة لا يُرى لها شق
{فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ}: ابتدروا الطريق ليجتازوه
{فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)}: فكيف يُبصرون الطريق؟
{وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ}: عَلَى مَكَانَتِهِمْ: في مكان معاصيهم
{فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا}: أمامهم
{وَلا يَرْجِعُونَ (67)}: ولا رجوعاً وراءهم
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ}: نمدُّ له في العمر
{نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ}: نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ: نردُّه إلى أرذل العمر
{أَفَلا يَعْقِلُونَ (68)}: أن القادر على ذلك المعلوم عندهم قادر على البعث فيؤمنون
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ}: أي النبي
{وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}: وَمَا يَنْبَغِي لَهُ: أن يكون شاعرا
{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69)}: ذِكْرٌ: ذكركم الله به ، بإرساله إياه إليكم
{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا}: حَيًّا: حي القلب يعقل ما يقال
{وَيَحِقَّ}: يجب
{الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)}: الْقَوْلُ: العذاب
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا: مما خلقنا من الخلق
{أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)}: أَنْعَامًا: المواشي التي خلقها الله لبني آدم
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)}: وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ: صيّرناها مسخرة منقادة لهم
{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73)}
- اللهم إنّا نحمدك حمدا كثيرا مباركا فيه -
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ
(74)}: لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ: طمعا أن تنصرهم تلك الآلهة من عذاب الله
وعقابه
{لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)}:
وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ: وهؤلاء المشركون لآلهتهم جند محضرون ،
ومعناه: المشركون يغضبون للآلهة في الدنيا ، وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا
تدفع عنهم شرا
{فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ}: لك: لست مرسلا وغير ذلك
{إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)}: من ذلك وغيره فنجازيهم عليه
{أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ}: خَصِيمٌ: مبالغ في الخصومة بالباطل
{مُبِينٌ (77)}: لمن سمع خصومته ، وقوله ذلك إنه مخاصم ربه الذي خلقه
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ}: قيل نزلت في أُبيّ بن خلف ،
أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ، ففته بين يديه ، ثم
ذراه في الريح ، فقال: يا محمد من يحيي هذا وهو رميم؟! فقال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم: "الله" يحييه ، ثم يُميتك ، ثم يدخلك النّار
{قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)}: رَمِيمٌ: بالية أشد البلى
{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ
خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)}: عَلِيمٌ: مجملا ومفصلا قبل خلقه وبعد خلقه
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا
أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ
الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81)}: بَلَى: هو قادر على خلق مثلهم
{إِنَّمَا أَمْرُهُ}: شأنه
{إِذَا أَرَادَ شَيْئًا}: أي خلق شئ
{أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)}: أي فهو يكون
{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}: مَلَكُوتُ: هو الملك التام
.................................................. ........................
ســـ : هل هناك أحاديث صحيحة في فضل قراءة سورة (يس) ؟ البعض يقول: إنها لِمَا قُرِأت له ؟
الحمد لله
أولا:
سورة ( يس ) من سور القرآن المكية العظيمة ، عدد آياتها ثلاث وثمانون آية
، فواصلها القصيرة لها وقع قوي في النفوس المؤمنة ، موضوعاتها الرئيسية هي
موضوعات السور المكية ، تحدثت عن توحيد الألوهية والربوبية وعاقبة
المكذبين بهما ، والقضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث
والنشور .
ثانياً:
قد وردت عدة أحاديث في فضائل هذه السورة ، أكثرها مكذوبة موضوعة ، وبعضها
ضعيف ضعفا يسيرا ، ولم نقف على حديث صحيح مخصوص في فضل سورة ( يس ) .
فمما ورد من فضائلها ويضعفه أهل العلم بالحديث – وإنما نسوقه هنا للتنبيه عليه - :
( إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن ( يس ) ، من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات )
( من قرأ سورة ( يس ) في ليلة أصبح مغفورا له )
( من داوم على قراءتها كل ليلة ثم مات مات شهيدا )
( من دخل المقابر فقرأ سورة ( يس ) ، خفف عنهم يومئذ ، وكان له بعدد من فيها حسنات )
انظر "الموضوعات" لابن الجوزي (2/313) ، "الفوائد المجموعة" للشوكاني
(942،979) ، وانظر للأهمية رسالة : " حديث قلب القرآن يس في الميزان ،
وجملة مما روي في فضائلها " لفضيلة الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف ، حفظه
الله .
ويراجع في موقعنا سؤال رقم (654) (6460)
ثالثا:
ومما يرويه الناس حديث ( يس لما قرئت له ) ، ويعنون به أن قراءة سورة ( يس
) يحصل معها قضاء الحوائج وتسهيل الأمور التي ينويها القارئ بقراءته .
والواجب التنبيه على بطلان نسبة هذا الكلام إلى السنة النبوية ، أو إلى
أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة ، فلم يأت عن أحد منهم مثل هذا
التقرير ، بل ينبهون على بطلان ذلك .
يقول السخاوي رحمه الله عن هذا الحديث :
" لا أصل له بهذا اللفظ " انتهى . "المقاصد الحسنة" (741) ، وقال القاضي
زكريا في حاشية البيضاوي : موضوع . كما في "كشف الخفاء" (2/2215)
ومثله في كتاب "الشذرة في الأحاديث المشتهرة" لابن طولون الصالحي (2/1158)
وفي "الأسرار المرفوعة" للقاري (619) وغيرها . وانظر رسالة الشيخ محمد
عمرو المشار إليها : " حديث قلب القرآن يس .. " ص 80 هـ 1 .
ولا يجوز لأحد أن ينسب هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أن
يتحدث به في مجالس الناس ، ومن يزعم أن التجربة تدل على صحة هذا الحديث ،
يقال له : والتجربة وقعت من كثير ممن قرأ ( يس ) لقضاء حاجته فلم يقضها
الله له ، فلماذا نأخذ بتجربتك ولا نأخذ بتجربة غيرك !؟
وما ينقله الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (3/742) عن بعض أهل
العلم : " أنَّ مِن خصائص هذه السورة أنها لا تُقرَأ عند أمر عسير إلا
يسره الله تعالى " انتهى .
فهو اجتهاد منهم ليس عليه دليل من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة
والتابعين ، ومثل هذا الاجتهاد لا يجوز نسبته إلى الله تعالى ورسوله ،
إنما ينسب مثل هذا إلى قائله ؛ بحيث يكون صوابه له وخطؤه عليه ، ولا يجوز
أن ينسب إلى كتاب الله تعالى أو سنة رسوله ما نتيقن أنه منه . قال الله
تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا
بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ }
على أننا ننبه هنا إلى أن كثيرا ممن تقضى له الحاجات عند دعائه ، أو
قراءته لمثل ذلك ، إنما تقضى له لأجل ما قام بقلبه من الاضطرار والفقر إلى
ربه ، وصدق اللجوء إليه ، لا لأجل ما قرأه من دعاء ، أو دعا عنده من قبر
أو نحو ذلك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد
يكون مضطرا اضطرارا لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له ، لصدق توجهه
إلى الله ، وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركا ، ولو استجيب له على يد
المتوسل به ، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته ، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي في
النار ، إذا لم يعف الله عنه ..."
ثم يقول: " ومن هنا يغلط كثير من الناس ؛ فإنهم يبلغهم أن بعض الأعيان من
الصالحين عبدوا عبادة أو دعوا دعاء ، ووجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء
، فيجعلون ذلك دليلا على استحسان تلك العبادة والدعاء ، ويجعلون ذلك العمل
سُنّة ، كأنه قد فعله نبي ؛ وهذا غلط لما ذكرناه ، خصوصا إذا كان ذلك
العمل إنما كان أثره بصدق قام بقلب فاعله حين الفعل ، ثم تفعله الأتباع
صورة لا صدقا ، فيُضَرون به ؛ لأنه ليس العمل مشروعا فيكونَ لهم ثواب
المتبعين ، ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل ، الذي لعله بصدق الطلب وصحة القصد
يكفر عن الفاعل " .
انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم (2/698، 700)
والله أعلم