عندما
أراد الخليفة بناء المستشفى العضدي عهد إليه اختيار الموقع الملائم،
فابتكر طريقة لا تزال محل إعجاب الأطباء، حيث عمد إلى وضع قطع من اللحم في
أنحاء مختلفة من بغداد، ثم أخذ يراقب السرعة التي تنتن فيها القطع وتتبدَّل
رائحتها، وبطبيعة الحال كانت أنسب الأماكن أقلها سرعة في التعفن والفساد.
ينبغي على الطبيب أن يوهم مريضه بالصحة ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، لأن مزاج الجسم مرتبط بمزاج النفس.
كان الرازي يزرع في نفوس تلاميذه بذور الفضيلة وحسن الأخلاق، كما اعتبر
الشعوذة والمتاجرة تدنيساً للرسالة المقدسة، وكان يحثهم على معالجة المرضى
الميؤوس منهم والاهتمام الزائد بهم، وأن يبثوا في مرضاهم روح الأمل وقوة
الحياة.
كما أنه أعطى للمنطق دوراً بارزاً، وفي كتابه "الطب الروحاني" يتحدث عن
العقل ويعتبره من أعظم نعم الله وأرفعها قدراً، ويقول:"...لا نجعله وهو
الحاكم محكوماً، ولا وهو الزمام مزموماً، ولا نسلِّط عليه الهوى الذي هو
آفته ومكدره، والحائد به عن سننه ومحجَّته وقصده واستقامته، بل نروضه
ونذلله، ونحوله ونجبره عن الوقوف عند أمره ونهيه...".
ومن أقواله: الحقيقة في الطب غاية لا تدرك، والعلاج بما تنصّه الكتب دون
المهارة والحكمة خطر. ويقول: من تطبب عند كثير من الأطباء، يوشك أن يقع في
خطأ كل واحد منهم.
أهم كتبه وآثاره
ترك
الرازي مكتبة غنية وإنتاجاً غزيراً إذ بلغت مؤلفاته مائتين وواحدا وسبعين
كتاباً، أكثرها في الطب وبعضها في الكيمياء والعلوم الطبيعية والرياضيات
والمنطق والفلسفة والعلوم الدينية والفلك، وأعظم مؤلفاته وأشهرها على
الإطلاق كتاب
* "الحاوي في الطب" الذي سجَّل فيه الطب الهندي والفارسي والعربي مع سجل
كبير من الحالات السريرية المتميزة، ووضع فيه تجاربه الشخصية لدعم النظريات
السابقة أو لدحضها، ويقع الكتاب في ثلاثين جزءا تتضمن ذكر الأمراض
ومداواتها مما هو موجود في سائر الكتب الطبية التي صنفها السابقون ومن أتى
بعدهم حتى أيامه، ومن جليل فضله أنه كان ينسب كل شيء نقله إلى صاحبه، وهذا
يدل على مبلغ أمانته العلمية واعترافه بفضل المتقدمين، ويذكر المؤرخ ماكس
مايرهوف أنه في عام 1500م كان هناك خمس طبعات لكتاب الحاوي مع عشرات
الطبعات لأجزاء منه. وله أيضا كتب أخرى قيمة منها:
* كتاب "المنصوري" في علم الطب كتبه للمنصور بن إسحاق صاحب خراسان، وفي هذا
الكتاب توخى الرازي الاختصار فجعله عشرة أجزاء، لذلك رغب المترجمون به
وترجموه عدة مرات إلى اللاتينية والإنكليزية والألمانية والعبرية.
* رسالته الرائعة في "الجدري والحصبة" تعتبر من أروع الرسائل العلمية
المفصلة في وصف هذين المرضين ووضع التشخيص التفريقي بينهما وكيفية علاجهما،
وهي دراسة مبنية على مشاهدات وملاحظات شخصية تنمُّ عن صبر وطول أناة،
وتعتبر الأولى من نوعها بالنسبة للأمراض الإنتانية، فقد وصف فيها الحصبة
والجدري بدقة متناهية وذكر الأعراض والتشخيص التفريقي بينهما، وأوصى
بالانتباه أثناء الفحص إلى القلب والنبض والتنفس والمفرزات والحرارة
العالية التي ترافق الاندفاعات، كما أكد على حماية العينين والوجه والفم
لتحاشي التقرحات، طبع هذا الكتاب أكثر من 40 مرة في أوروبا وبلغات عديدة.
* كتاب "لمن لا يحضره طبيب"، عبارة عن كتاب شعبي يُسهب في وصف العلل
وأعراضها وعلاجها بالأدوية والأعشاب التي يمكن أن تتوفر في كل منزل، وعُرف
هذا الكتاب بـ "طب الفقراء".
* كتاب "الأسرار في الكيمياء" هذا الكتاب بقي لمدة طويلة مرجعاً أساسياً لمدارس الغرب والشرق.
هذا بالإضافة إلى أكثر من 200 كتاب في الطب، لذلك وصف "أ. براون" الرازي
قائلاً: إنَّه من أقدر الأطباء المسلمين وأكثرهم ابتكاراً وأعظمهم إنتاجاً.
عاش هذا
العبقري أيامه الأخيرة في فقر مدقع، لكن شهرته بقيت تجوب الآفاق، واسمه بقي
لامعاً في سجل الخالدين، فنرى أنَّ الملك الفرنسي الشهير "لويس الحادي
عشر" قد دفع الذهب الوفير وبطيب خاطر لينسخ له أطباؤه نسخة خاصة من كتاب
الحاوي كي يكون لهم مرجعاً إذا أصابه مرض ما، والشاعر الإنكليزي القديم
"جوفري تشوسر" يأتي على ذكر الرازي في إحدى قصائده المشهورة في كتابه
"أقاصيص كونتربري"، وأطلقت جامعة بريستون الأميركية اسمه على أكبر أجنحتها
تقديراً له، وفي كلية الطب بجامعة باريس نجد نصباً تذكارياً للرازي مع صورة
له في شارع سان جرمان، كما ويطلق اسمه على الكثير من مستشفيات وقاعات
التدريس والساحات في الدول العربية والإسلامية.
أعتقد أنه لو كان الرازي موجود الآن ما كان ذهب أحد منا لالمانيا أو انجلترا لكي يعالجه من تعلموا من كتب الرازي
******************************
وهذه مجموعة صور عن أبوبكر الرازى