المهلكات الثلاث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أيقظ الغافلين ، ونفع بالتذكرة المؤمنين ، فلم يشتغلوا بالدنيا وحدها ، بل جمعوا بين الدنيا والدين ، وعرفوا ما لربهم من الحق ، فقـامـوا به قيام الصـادقـين ، أحمده حمد الحامدين ، وأشكره وأستعينه ، فهو نعم المولى ونعم المعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى الأمين ، اللهم صل وسلم على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد ..؛
فإن هناك مهلكات ثلاث هن أصل المعاصي والذنوب , وهن من أمراض النفوس وعلل القلوب .
وهذه المهلكات الثلاث هي : الكبر والحسد والحرص , قال الحسن بن علي رضي الله عنه : هلاك الناس في ثلاث: الكبر. والحسد. والحرص ؛ فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس , والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل , والحرص عدو النفس، وبه أخرج آدم من الجنة.
وقال حامد اللفاف: سمعت حاتم الأصم يقول : أصل الطاعة ثلاثة أشياء : الحزن والرضا والحب وأصل المعصية ثلاثة أشياء : الكبر والحرص والحسد . شعب الإيمان 6/26.
وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والكبر فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم وإياكم والحرص فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة وإياكم والحسد فإن ابني آدم إنما قتل أحدهما صاحبه حسدا فهو أصل كل خطيئة . أخرجه ابن عساكر (49/40) حديث رقم : 2208 في ضعيف الجامع .
وهذه الرسالة تتحدث عن هذه المهلكات الثلاث وكيف يحذر المؤمن العاقل منها , ويسعي إلى تنقية قلبه وتصفيته من علائقها حتى يأتي ربه بقلب سليم معافى , قال تعالى : " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) سورة الشعراء.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ، وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ ، لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ. أخرجه "أحمد" 4/269(18558) و"البُخَارِي" 1/20(52) و"مسلم"5/50(4101) .
اللهم طهر ألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة وقلوبنا من الكبر والحسد والطمع .
أولاً : الكبر :
حذرنا الله تعالى من الكبر ومن عاقبة المتكبرين , قال تعالى : " قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) سورة الزمر.
وعَن عَبْداللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ ، يَعْنِى ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا ، وَنَعْلِي حَسَنَةً ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ ، وَغَمَصَ النَّاسَ. أخرجه أحمد 1/412(3913و"مسلم" 1/65(179) و"أبو داود" 4091 وابن ماجة( 59 و4173 .
1- معنى الكبر وعقوبته :
الكبر هو رد الحق ومدافعته وإنكاره تجبرًا وعلوًا وتكبرًا وهو أيضًا احتقار الناس وازدراؤهم والتجبر والترفع عليهم وغالبًا ما يكون ذلك بسبب إعجاب المرء بنفسه ويرى نفسه أعلى وأرفع من باقي عباد الله، هذا هو معنى غمط الناس وأكثر ما يوقع الإنسان في غمط الناس .
والكبر صفة من الصفات الذميمة التي لا ينبغي على المسلم أن يتصف بها , والكبر أول معصية عُصي الله بها.
فأصل الأخلاقِ المذمومة كلِّها الكبر والاستعلاء, به اتَّصف إبليس فحسَد آدم واستكبر وامتنع من الانقياد لأمر ربه، قال تعالى : " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) سورة البقرة:34.
وبالكبر تخلّف الإيمان عن اليهود الذين رأَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعرفوا صحَّة نبوّته، وهو الذي منع ابنَ أبيّ بن سلول من صِدق التسليم، وبه تخلَّف إسلام أبي جهل، وبه استحبَّت قريشٌ العمى على الهدى، قال سبحانه: (إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [الصافات:35].
والكبر سببٌ للفُرقة والنزاع والاختلافِ والبغضاء,وعلامة على النفاق قال جلّ وعلا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) [المنافقون:5].
والكبر سبب تعذيب الأمم السابقة : قال تعالى عن قومِ نوح: " وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَارًا [نوح:7]، وقال عن فرعونَ وقومه: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ ، فَأَخَذناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذناهُمْ فِى الْيَمّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عاقِبَةُ الظالِمِينَ [القصص:39، 40]، وقال عن قومِ هود: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِى الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِـآياتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15].
والكبر سبب لغضب الله على العبد غضباً يستوجب صرف الهداية عنه والطبع على قلبه وإخراجه من دائرة الحب ثم الحرمان من دخول الجنة واستحقاق غضب الجبار ودخووول النار , قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ) (الأعراف/146) ، وقال تعالى : (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر/35) وقال تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل/23) ، وقال عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/60) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:قَالَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعِزَّةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي النَّارِ.أخرجه "أحمد" 2/248(7376) و"أبو داود" 4090 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:لاَ يَنْظُرُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا.أخرجه مالك :الموطأ" 2655 . والبُخاري (5788).
وعَنْ عِيَاصِ بْنِ حِمَارٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا ، حَتَّى لاَ يَبْغِيَ أحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً سَبَّنِي فِي مَلأٍ هُمْ أَنْقَصُ مِنِّي ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ ، هَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ جُنَاحٌ ؟ قَالَ : الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَانِ ، يَتَهَاتَرَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ.
قَالَ عِيَاضٌ : وَكُنْتُ حَرْبًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَهْدَيْتُ إِلَيْهِ نَاقَةً قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا ، وَقَالَ : إِنِّي أَكْرَهُ زَبْدَ الْمُشْرِكِينَ. - لفظ أَبي داود : إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا ، حَتَّى لاَ يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. أخرجه البُخَاري في )الأدب المفرد(428 و428م . وأبو داود (4895).
عن عبد الله بن عمرو قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيجان مزرورة بالديباج فقال ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس قال يريد أن يضع كل فارس ابن فارس ويرفع كل راع ابن راع قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بمجامع جبته وقال ألا أرى عليك لباس من لا يعقل ثم قال إن نبي الله نوحا صلى الله عليه و سلم لما حضرته الوفاة قال لابنه إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق وأنهاك عن الشرك والكبر قال قلت أو قيل يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر قال أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان قال لا قال هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها قال لا قال الكبر هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها قال لا قال أفهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه قال لا قيل يا رسول الله فما الكبر قال سفه الحق وغمص الناس. أخرجه النسائي في "الكبرى" 10600 والبزار والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وقال الحاكم صحيح الإسناد . السلسلة الصحيحة 1 /259.
2- أسباب الكبر:
قد يتكبر الإنسان بماله : وذلك يجري بين الأغنياء في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيحتقر الغني الفقير ويتكبر عليه ، وكل ذلك جهل منهم بفضيلة الفقر وآفة الغنى , وقد قص علينا القرآن الكريم قصة أصحاب الجنتين أحدهما تكبر بما لديه من مال وأشياع والآخر كان متواضعاً مخبتاً لله , قال سبحانه : " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) سورة الكهف .
وكذلك قص علينا قصة قارون الذي اغتر وتكبر بماله فخسف الله به وبماله , قال تعالى : إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) سورة القصص .
وقد يتكبر بمنصبه , مر بعض أولادالمهلببمالك بن ديناروهو يتبختر في مشيته ،ومعه أشياعه وأنصارهفقال لهمالك: يا بني لو تركت هذا الخيلاء لكان أجمل ، فقال أوماتعرفني ؟ قال : أعرفك معرفة جيدة ، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت بين ذلك تحمل العذرة . فأرخى الفتى رأسه وكف عماكان عليه . وقالالأحنف : عجبتلمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر .وقال ابن عوف رحمه الله:
عَجِبْتُ مِنْ مُعْجَبٍ بِصُورَتِهِ * * * وَكَانَ بِالأمْسِ نُطْفَةً مَذِرَهْ
وَفِي غَدٍ بَعْدَ حُسْنِ صُورَتِهِ * * * يَصِيرُ فِي اللَّحْدِ جِيفَةً قَذِرَهْ
وَهُوَ عَلَى تِيهِهِ وَنَخْوَتِهِ * * * مَا بَيْنَ ثَوْبَيْهِ يَحْمِلُ الْعَذِرَهْ
جاء أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيوف ، وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى السراج فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه ، قال : أفأنبه الغلام ؟ فقال : هي أول نومة نامها ، فقام وملأ المصباح زيتـًا فقال الضيف : قمت أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند الله متواضعـًا .
وقد يتكبر بحسبه ونسبه : فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب ، وإن كان أرفع منه علمـًا وعملاً ، وهذا من فعل الجاهلية . عَنِ الْمَعْرُورِ بْنَ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ.
- وفي رواية : عَنِ الْمَعْرُورِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا ، وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا ، فَقُلْتُ : لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً ، وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً ، فَنِلْتُ مِنْهَا ، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لِي : أَسَابَبْتَ فُلاَنًا ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، قُلْتُ : وعَلَى حِينِ سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ.)".أخرجه "أحمد" 5/158 (21738) و"البُخاري" 1/14(30) وفي "الأدب المفرد" 194 و"مسلم" 5/92(4326).
وقد يتكبر بأنصاره وأشياعه : فقد يغتر الإنسان بمن حوله من أشياع وأنصار وينسى انه سوف يأتي ربه يوما وليس معه أحد " إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) سورة مريم .
واعلم أن التكبر في شمائل الرجل كصعر في وجهه ، ونظره شزرًا ، وفي أقواله حتى في صوته ونغمته ، ويظهر في مشيته وتبختره ، وقيامه وجلوسه وحركاته وسكناته ، فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله ، ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع في بعض ، فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أوبين يديه ، ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره خلفه ، ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته ، والتواضع خلافه .
قال ابن أبي سلمة : قلت لأبي سعيد الخدري : ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم ؟ فقال : يا ابن أخي ، كل لله واشرب لله والبس لله ، وكل شيء من ذلك دخله زهو أو مباهات أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف ، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان يعالج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ، كان يحلب الشاة ، ويخصف النعل، ويرقع الثوب ، ويأكل مع خادمه ، ويشتري الشيء من السوق لا يمنعه الحياء أن يعلق الإناء بيده ، ويصافح الغني والفقير ، ويسلم مبتدئـًا على كل من استقبله من صغير أو كبير ، ويجيب إذا دُعيَ ولا يحقر ما دُعيَ إليه ، لين الخلق ، جميل المعاشرة ، طليق الوجه ، شديدًا في غير عنف ، متواضعـًا في غير مذلة ، جوادًا من غير سرف ، رقيق القلب ، زادت عائشة - رضي الله عنها - وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يمتلئ قط شبعـًا ، ولم يبث إلى أحد شكوى ، وكان يقول : " البذاذة من الإيمان "(رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم ، وصححه الألباني) .
فقال هارون : سألت عن معنى البذاذة فقال : هو الدون من اللباس ، فمن طلب التواضع فليقتد به - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يرض لنفسه بذلك فما أشد جهله ، فلقد كان - صلى الله عليه وسلم - أعظم خلق الله في الدنيا والدين ، فلا عز ولا رفعة إلا في الاقتداء به .
وقد يتكبر الإنسان بعلمه :فما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم ، فيستعظم نفسه ويحتقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم وقد يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم . قال تعالى :" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سورة الأعراف .
قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد رحمهم الله : نزلت هذه الآية في بلعم بن باعوراء ، وذلك لأن موسى عليه السلام قصد بلده الذي هو فيه ، وغزا أهله وكانوا كفاراً ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى عليه السلام وقومه ، وكان مجاب الدعوة ، وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه ، فما زالوا يطلبونه منه حتى دعا عليه فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأي ذنب وقعنا في التيه . فقال : بدعاء بلعم . فقال : كما سمعت دعاءه علي ، فاسمع دعائي عليه ، ثم دعا موسى عليه أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه الله مما كان عليه ونزع منه المعرفة . فخرجت من صدره كحمامة بيضاء فهذه قصته . تفسير الرازي 7/297.
3- علاج الكبر:
والكبر من المهلكات ، وإزالته فرض عين ، ولا يزول بمجرد التمني، بل بالمعالجة ، وفي معالجته مقامان :
أحدهما : قطع شجرته من مغرسها في القلب :
فإن أصحاب النفوس العلية الكريمة إذا وسّع الله عليهم لم يزدادوا إلا تواضعا وذلة لله وللمؤمنين، عمر بن الخطاب على جلالة قدره، ويدمر رب العزة دولة كسرى وفارس تحت قدمه، ويحكم ثلث العالم في وقته، وقف على المنبر والناس عند قدمه، فتعجبه نفسه فيقول - مخاطبا لنفسه -: (لقد كنت تسمى عميرا، ولقد كنت ترعى غنميات لآل الخطاب، على تمرات تأكلها وتسد بها جوعتك، ثم أصبحت تسمى عمرا، ثم أصبح يقال لك: أمير المؤمنين)، ثم ترك المنبر ونزل، سأله الناس، لماذا قلت هذا يا أمير المؤمنين ؟! قال: (أعجبتني نفسي فأردت أن أذلها)
ومر عمر رضي الله تعالى عنه بخوله هذه في أيام خلافته فقالت له قف يا عمر فوقف لها ودنا منها واصغى اليها وأطالت الوقوف واغلظت له القول أي قالت له هيات يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميرا وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت فقال لها الجارود قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين فقال عمر رضي الله عنه دعها وفي رواية فقال له قائل حبست الناس لأجل هذه العجوز قال ويحك وتدري من هذه قال لا قال هذه امرأة قد سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خووولة بنت ثعلبة والله لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تنقضي حاجتها . الاستيعاب 4: 283, السيرة الحلبية 2/724.
الثاني : دفع العرض منه بالأسباب التي قد يتكبر بها .
جعل عمر بن الخطاب فيطريقه إلى الشام بينه وبين غلامه مناوبة ، فكان يركب الناقة ويأخذ الغلام بزمامالناقة ويسير مقدار فرسخ ثم ينزل ويركب الغلام ويأخذ عمر بزمام الناقة ويسير مقدارفرسخ ، فلما قرب من الشام كانت نوبة ركوب الغلام فركب الغلام و أخذ عمر بزمامالناقة ، فاستقبله الماء في الطريق فجعل عمر يخوض في الماء ونعله تحت إبطه اليسرىوهو آخذ بزمام الناقة ، فخرج أبو عبيدة بن الجراح وكان أميرا على الشام وقال : " ياأمير المؤمنين إن عظماء الشام يخرجون إليك فلا يحسن أن يروك على هذه الحال " ، فقالعمر : " إنما أعزنا الله بالإسلام فلا نبالي من مقالة الناس.
قال الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر **** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلوبنفســـــه **** إلى طبقات الجو وهو وضيع
قال الواقدي : فلما أشرف خالد بن الوليد رضي الله عنه ومن معه على عساكر الروم نظر المسلمون إلى عساكر الروم وهم خمسة فراسخ في العرض وعن نوفل بن دحية أن خالد بن الوليد لما ترجل عن جواده وترجل المائة جعلوا يتبخترون في مسيرهم ويجرون حمائل سيوفهم ويخترقون صفوف الحجاب والبطارقة ولا يهابون أحدًا إلى أن وصلوا إلى النمارق والفراش والديباج ولاح لهم ماهان وهو جالس على سريره فلما نظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما ظهر من زينته وملكه عظموا الله تعالى وكبروه وطرحت لهم الكراسي فلم يجلسوا عليها بل رفع كل واحد منهم ما تحته وجلسوا على الأرض فلما نظر ماهان إلى فعلهم تبسم وقال : يا معاشر العرب لم تأبون كرامتنا ولم أزلتم ما تحتكم من الكراسي وجلستم على الأرض ولم تستعملوا الأدب معنا ودستم على فراشنا .قال : فقال خالد بن الوليد : إن الأدب مع الله تعالى أفضل من الأدب معكم وبساط الله أطهر من فرشكم لأن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم قال : جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ثم قرأ لقوله تعالى : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } [ طه : 55 ] .انظر : الواقدي : فتوح الشام 281.
روي في شرح الصحيفة عن عمر بن شيبة انه قال بينما كنت في مكة المكرمة بين الصفاوالمروة رأيت شخصا قد ركب جملا وغلمانه يبعدون الناس من حوله ، بعد مدة دخلت بغدادفرأيت شخصا ناحلا حافيا أشعث طويل الشعر فأطلت النظر إليه فقال لي مالك تنظر إلى؟فقلت : انك تشبه رجلا متكبرا رأيته بين الصفا والمروة، وكان كذا وكذا فقال: آنا ذلكالرجل ، فقلت : وما الذي جرى حتى صرت إلى ما أنت فيه؟ فقال : لقد تكبرت حين كانيتواضع لي الناس، فجعلني الله في موضع يتكبر علي الناس.
يَا مُظْهِرَ الْكِبْرِ إعْجَابًا بِصُورَتِهِ * * * اُنْظُرْ خَلاَكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْرِيبُ
لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهِمْ * * * مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلاَ شِيبُ
هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ مِثْلُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةً * * * وَهُوَ بِخَمْسٍ مِنْ الأقْذَارِ مَضْرُوبُ
أَنْفٌ يَسِيلُ وَأُذْنٌ رِيحُهَا سَهِكٌ * * * وَالْعَيْنُ مُرْفَضَّةٌ وَالثَّغْرُ مَلْعُوبُ
يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا * * * أَقْصِرْ فَإِنَّك مَأْكُولٌ وَمَشْرُوبُ
جعلنا الله وإياكم من المتواضعين الذين يمشون على الأرض هونا , وأعاذنا الله وإياكم من شر الكبر والمتكبرين .