الى من يظن ان الحياه ظلمته

الكثير من الناس يشعرون بأنهم ظُلموا في هذه الحياة ..وأنهم لم ينالوا ما يستحقونه فيها..بالرغم من قدراتهم العظيمة وطموحاتهم الكبيرة والجهد الكبير الذي بذلوه لتحقيق هذه الطموحات..في حين يحصل الكثيرين غيرهم الأقل جهدا ًوذكاء وأكثر حظاً على كل شيء بسهولة ..مما يُشعرهم بالإحباط.. والحزن.. والظلم ..والغضب.. ويسألون لماذا.. وكيف يحصل هذا؟؟
والحقيقة..أن كل إنسان يؤمن بوجود الله عز وجل لا بد أن يؤمن بأن الأقدار والأرزاق..والأعمار..والسعادة والشقاء.. هي من الأمور التي يختص الله وحده بتقديرها فهي مكتوبة عنده في أم الكتاب ..تُقدر من يوم تُنفخ الروح في المثقفة الموجودة في رحم الأم ..لا يمكن أن تتغير.. "وما من دابة إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتاب مبين"هود6يق
وأقسم رب العزة ألا يموت الإنسان حتى يستوفي رزقه وأجله ..وليس قبل ذلك..
ولكن هناك أعمال يقوم بها الإنسان تُرضي الله عز وجل فيكافؤه عليها بأن يبارك له في رزقه وعمره..ولكن البركة لا تعني الزيادة الفعلية في العمر ولكن تعني البركة بأن يستمر الإنسان بأخذ الثواب على عمل من أعمال الدنيا بعد أن ينقطع عمله بالموت فتستمر الحسنات بالزيادة وتسجل له ..كأن يربي ابن صالح يدعو له أو يؤلف كتاباً ينتفع الناس به حتى بعد موته ..أو أن يزرع زرعاً أو يبني مسجداً..إلى آخره من الأعمال التي تستمر حسناتها تتدفق وتُكتب في كتابه حتى بعد وفاته..ولكن بشرط أن تكون النية في هذا العمل الأجر والثواب في الآخرة..لأنها إن كانت لجاه أو مال يحصل عليه في الدنيا فعندها سيعطيه الله الثواب عليها في الدنيا فقط...أما إن نوى أن يأخذ الثواب عليها في الآخرة فعندها يكرمه الله بكرمه بثواب الدنيا والآخرة لأنه رب كريم يعطي عطاء كريم ..
"من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسون *أولئك ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون"هود
"من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيراً"النساء


ولأن الله هو يبسط الرزق لمن يشاء وهو القابض والباسط ..والمتصرف في خلقه يما يشاء فيغني من يشاء ويفقر من يشاء لما له في ذلك من الحكمة ..ولهذا قال "إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيراً بصيراً"الإسراء .لأنه خبير بمن يستحق الغنى ..ومن يستحق الفقر..والحكمة يبينها الحديث القدسي الشريف:"إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر..ولو أغنيته لأفسدتُ عليه دينه ..وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدتُ عليه دينه" .وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجاً لهم..ليرى الله منهم ما يعملون به ..خيراً أو يكون عليه وبالاً فيفسدوا بمالهم في الأرض ..وقد يكون الفقر عقوبة..والعياذ بالله..أو ابتلاء ليرى الله ما يكون من العبد من الرضا بقضاء الله أم هل يسخط ويتهم الله بالظلم ..؟؟سبحانه وتعالى عما يصفون..ويترك الخيار للإنسان في أن يلجأ إلى الحرام ..أم يبقى يجاهد ليحصل على ما كتبه الله له من رزق بالحلال..
"واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم"الأنفال8
"ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين*الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون*أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"البقرة
فالله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس بتقليل رزقهم أو بتقدير أي سوء عليهم ولكن لا بد أن يكون هناك حكمة إما لثواب أو رفع درجاتهم أو اختبار لإيمانهم أو عقوبة لهم..
"إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون"يونس
"ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً"النساء
وهذا لا يعني أن يستسلم الإنسان ويجلس في بيته ينتظر رزقه ويتواكل بدل أن يعمل ويجتهد ثم يتكل على الله فالعمل بالأسباب واجب..ولكن يجب تحري الحلال فالرزق مكتوب عند الله فإن عمل الإنسان عملاً حلالاً أخذه حلال وإن أغواه الشيطان بالحرام فعمل به أخذه حراماً..
"قل لا يستوي الخبيث و الطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تُفلحون"المائدة
"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه و فضلاً والله واسعٌ عليم"البقرة
فلنُصلح النية لله في كل عمل ولا ندع الشيطان يزرع في نفوسنا الحسد أو الغيرة مما أعطى الله لغيرنا ولم يعطنا.. "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"
ولا نُسيء الظن بالله ونتهمه بالظلم ولا نترك الشيطان يوسوس لنا لنتذمر من قضاء الله علينا ..حتى لا نظلم أنفسنا و نستحق العقاب من الله.. فالشيطان لا يقدر أن يوسوس في قلوب المؤمنين لأن الله حماهم منه أما من كان إيمانه ضعيفاً فهو من يقع فريسة له"قال رب بما أغويتني لأُزينن لهم في الأرض ولأُغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المُخلصين*قال هذا صراطٌ عليَ مستقيم*إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين"الحجر
إذاً لنهتم أكثر بالأعمال ذات الثواب الكثير في الدنيا والآخرة كالصدقة الجارية.. ولتكن نظرتنا بعيدة المدى أكثر..ولنكثر من الدعاء بآية الملك عسى الله أن يرزقنا بها من خيرات الدنيا والآخرة
"قل اللهم مالك المُلك تُؤتي المُلك من تشاء وتنزع المُلك ممن تشاء وتُعز من تشاء وتُذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير*تُولج الليل في النهار و تولج النهار في الليل وتُخرج الحي من الميت وتُخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب"آل عمران