السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يمكننا أن نجمل أهم خصائص الرجوع إلى الحق وصفات أهله في النقاط التالية:
1- التربية على هذا المبدأ حماية لجناب التوحيد: من المقرر أن الكمال لله وحده، والعصمة لكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن غرس في أتباعه أنه لا يخطـئ , وأصـر على ما عنده من الخطأ ؛ وربما استساغ التأويلات الفاسدة لإثبات ما عنده , وهذا هو الذي غرسه بعض أتباع الأئمة في أصحابهم ؛ قال أبو الحس الكرخي - من أئمة الحنفية -: [ الأصـل أن كـل آية تخالف قول أصحابنا؛ فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح، والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق ].
وقال الفخر الرازي الشافعي: [ القول بأن قول الشافعي خطأ في مسـألة كذا إهانة للشافـعي القرشي، وإهانة قريش غير جائزة؛ فوجب أن لا يجوز القول بتخطئته في شيء من المسائل ] .
2- من أخلاق المؤمن: قال الله تعالى: ] وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ[17]الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ[18][ سورة الزمر .
قال الإمام محمد بن جرير الطبري: ] أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ [ .....وفقهـم الله للرشاد وإصابة الصواب؛ لا الذين يعرضون عن سماع الحق , ويعبدون ما لا يضر ولا ينفع.
قال الحسن البصري: إن من أخلاق المؤمن: قوة في الدين....، ويقر بالحق قبل أن يشهد عليه.
3- أنه من النصيحة لله وكتابه ورسوله والمسلمين: قال الحافظ ابن رجب: فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفًا لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة ؛ بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له سواء كان ذلك في موافقته أو مخالفته.
4- من العدل المأمور به: إن قبول الحق ممن جاء به والاعتراف بالخطأ من أبين علامات العدل مع النفس ومع الآخرين، وقد أمرنا الله عز وجل بالعدل , ووعـد العاملين به خيرًا , يقول سبحانه: ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ...[135] [ سورة النساء .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله المؤمنين أن يقولوا بالحق ولو على أنفسهم أو أبائهم أو أبنائهم .
ويقول الشيخ ابن سعدي : وكما تشهـدون على عدوّكم فاشهـدوا له ؛ فلو كان كافرًا أو مبتدعًا فإنه يجب العدل فيه وقبول ما يأتي به من الحق؛ لا لأنه قاله ولايرد الحق لأجل قوله؛ فإن هذا ظلم للحق.
5- أنه من التوبة: قال تعالى في وصف المؤمنين: ] وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُـوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُـوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلـَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [135] [ سورة آل عمران.
6- علامة التواضع: سئل الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق وينقاد له ويقبله من قاله.
وقال ابن عطاء: هو قبول الحق ممن كان والعز في التواضع .
فكان حقيقة التواضع خضوع العبد لصـولة الحق ، وانقياده لها ، فلا يقابلها بصولته عليها.
وقال ذو النون المصري: ثلاثة من أعلام التواضع: تصغير النفس معرفة بالعيب، وتعظيم الناس حرمة للتوحيد، وقبول الحق والنصيحة من كل أحد.
7- أنه من أساسيات المنهج التربوي في الإسلام: فالبحـث عن الحق وطلبـه والتزامه , والابتعاد عن حمأة التقليـد الأعمى أو العمل بالجهل من الفـروق الأساسية في المنهج بين الإسلام ومناهج الكفر؛ ففي الإسلام: ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ....19] [سورة محمد ، أما في غيره فتلك العبارة المشهورة: اعتقد وأنت أعمى.
وكذلك الفرق في المنهج بين أهل السنة وغيرهم من أهل البدع ومنهم القائل: من لم ير خطأ شيخه أحسن من صوابه لم ينتفع به.
وقول الآخر: من شرط المريد أن لا يكون بقلبه اعتراض على شيخه.
8- من خصائص أهل العلم: يصف إمام التابعين الحسن البصري صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم, فيقول : ....وخضوعهم بالطاعة لربهم واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا وإعطاؤهم الحق من أنفسهم.
ويعدد الإمام أبو بكر الآجري صفات العلماء ، فيذكر منها : إن أفتى بمسألة فعلم أنه أخطأ لم يستنكف أن يرجع عنها, وإن قال قولاً فرد عليه غيره ممن هو أعلم منه أو مثله أو دونه ؛ فعلم أن القول كذلك رجع عن قوله , وحمده على ذلك , وجزاه خيرًا.
9- أنه من صفات القائد المربي الناجح: إن التزام القائد والمربي هذا السلوك يخرج قادة رجالاً يحملون المسئولية ، وبعكس هذا تربية المبتدعة التي عمادها : [كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل]؛ حيث أنتجت قطعانًا من الماشية تجري وراء كل ناعق.
10- أنه مما يتواصى به الصالحون والعلماء: كتب عمـر بن الخطاب إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يقول: أما بعد فالزم الحق ينزلك الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق .
وكذلك ما جاء في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه المشهور، وفيه: ... ولا يمنعنك من قضاء قضيت به اليوم , فراجعت فيه نفسك , وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق؛ فإن الحق قديم , ولا يبطل الحق شيء ، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.