الانهزامية في أحد مفاهيمها هي الشعور بالخسارة واليأس في تحقيق تقدم ولو بسيط حتى لو كان الواقع والدلائل تؤكد عكس ذلك , و الإنهزاميون هم من تملكتهم الإنهزامية فصاروا يفقدون الأمل في أي شيء , فهذه الإنهزامية مرض خطير ما أصاب أمة إلا قضى عليها وأعادها إلى عصور الضعف والتخلف
ومنعها من تحقيق أي تقدم حقيقي ملموس حتى وإن كانت تمتلك كافة المؤهلات
الحقيقة والكوادر البشرية القادرة على تحقيق هذا التقدم .
وقد مرت مراحل وفترات حاول بعض الإنهزاميون الترويج فيها لهذه الفكرة فمثلا
نجد أن بني إسرائيل لما أرسل الله لهم موسى رسولا لينقذهم من ظلم فرعون
وليخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد اتهموا سيدنا موسى بأنه كان
سببا في أذيتهم فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ
الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا
وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ
عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ
تَعْمَلُونَ (129)) سورة الأعراف *, فهم ومع أنهم يعلمون أن موسى
عليه السلام نبي من عند الله وأن في طاعتهم فلاح لهم جميعا إلا أن روحهم
الإنهزامية التي ترفض التغيير وتميل إلى الرضا بالواقع دفعتهم إلى اتهام سيدنا موسى عليه السلام أنه كان سببا آخر لأذيتهم .
وعندما تملكت هذه الروح الإنهزامية من المسلمين في مراحل معينة جلبت الكثير من المتاعب
فمثلا عندما قام التتار باجتياح العالم الإسلامي ودعالم بغداد وقتل
الخليفة العباسي كان الجندي من التتار يسير في الشارع بلا سلاح فيقابل
الرجل المسلم فيقول له ابق مكانك ولا تتحرك حتى آتى بسيف فأقتلك فيبقى
المسلم كما هو حتى يقتله التتري ومنها في تاريخنا المعاصر ما أشاعه البعض
بعد حرب 1967 من أن الجيش الصهيوني جيش لا يقهر ومع أن الجيش المصري حطم
تلك الخرافة في حرب السادس من أكتوبر 1973 العاشر من رمضان 1393 .
إن الشعور باليأس في تحقيق التقدم والإنجاز يصيب الإنسان والمجتمع بالإحباط
ومن ثم يدفعه إلى البحث عن حلول ( يسميها حلول وسط ) من اجل تحقيق إنجاز (
من وجهة نظره ) أو الرضا بالواقع الحالي حتى وإن كان مرا المهم أن لديه
المبرر لكل ما يفعله ومن هذه المبررات ( هذا ما نستطيع عمله / ليس
بالإمكان أكثر مما كان ) مبررات وحجج كثيرة واهية .
تجد هذه الروح الإنهزامية
لدى كثير من الذين يسيرون في فلك العدو و لدى الذين كانوا يقاتلون عدوهم
ثم نحوا السلاح جانبا واتجهوا إلى إبرام اتفاقيات وإقامة علاقات مع العدو و
لدى الكثير ممن يسمون أنفسهم المحللين السياسيين والخبراء الإستراتيجيين
الذين يتفننون في إيجاد طرق كثرة لتصيب الناس والأمة كلها باليأس والإحباط
فمثلا ًعندما يتحدثون عن القضية الفلسطينية يقولون إنه لا يمكن بأي حال
من الأحوال تحقيق نصر على الجيش الصهيوني ولابد للفلسطينيين من إلقاء
السلاح والتفاوض في حين أنك لو سألتهم عن منجزات التفاوض ومنجزات المقاومة
يتلعثمون ولا يجدون إجابة حقيقية سوى قلب الحقائق لأن الحقائق على الأرض
تقول إن جيش الإحتلال عاجز بكل المقاييس عن إلحاق هزيمة حقيقة بالشعب
الفلسطيني .
إن هذه الإنهزامية لها أخطار كثيرة تصيب الفرد والمجتمع والأمة بأكملها منها إشاعة حالة من اليأس والإحباط من تحقيق أي تقدم أو السير خطوة واحدة للأمام
فهؤلاء الإنهزاميون تجدهم دائما يتحدثون عن الواقع السيئ وعن العجز الذي
نعيشه وان غيرنا حقق ما يريد فلو أننا كنا نقدر على فعل شيء لفعلناه وإذا
كانت هناك بعض النقاط الإيجابية أو بعض الإنجازات والنجاحات التي تحققت
فيعمدون إلى إخفائها وتشويهها والإدعاء بأنها محض صدفة .
ومنها أيضا الرضا بالواقع و إن كان مؤلماً مراً و بالتالي عدم حدوث أي تغيير بل يعمدون إلى محاربة أي محاولة للتقدم والتغيير بحجة أن هذا سيجلب لهم الكثير من المتاعب والإدعاء بأن الحال هكذا أفضل .
إن هذه الروح الإنهزامية تدفع الناس بسبب اليأس الذي تملكهم إلى التنازل عن حقوقهم بحجة أنه لا يمكن استرجاعها فهم ليسوا قادرين على ذلك و بالتالي فعليهم الرضا بما يرمى لهم فهو أفضل من اللا شئ .
إن علينا أن نحارب هذه الروح الإنهزامية وهؤلاء الإنهزاميون أينما وجدوا
وأن ننشر في المقابل روح الأمل لأننا نعلم أن الخير لأمتنا وأن التمكين
لديننا وأن الأرض لله يرثها من يشاء من عباده فلا راد لقضائه ولا معقب
لحكمه .