الرجل الذى تحول الى ضوضاء

فى مثل الساعة من الليل ،كان الكورنيش الممتد بطول البحر يبدو كثعبان ميت...لا صوت ...لا حركة ....لا حياة.........

البحر يوشوش كأنه يقول كلمة السر.

وأعمدة النور شاخصة فى سكون كعفاريت تنصت وقد اشرعت رءوسها المضيئة ....والسماء خباء أسود ملئ بالخروق تطل منها ملايين العيون الدقيقة تومض وتبرق ....ورذاذ االمطر ينزل شحيحا من جو مشبع بالرطوبة لدرجة التخمة .

ورائحة الاصداف والطحالب تفوح بذلك العطر القديم قدم الطبيعة .

وصوت أنفاسى البطيئة تتردد مبللة هى الأخرى بالرطوبة،وأنا متكئ على سور الكورنيش أحمق فى الظلمة بلا نهايةّ.أصغى الى وشوشة البحر .....أحاول أن أفهم كلمة السر ...من أين؟الى أين ؟وكيف؟وماذا؟وماذاوراء؟وماالغاية؟وماالمعنى؟وما السبب؟

أحاول أن افهم اللوحة والرسم والرسام .واعود فأتذكر أنى لست سوى رسم صغير تافه ثانوى فى اللوحة الكبيرة ...مجرد خط... بقعة لون....نغبشة...مل هذه النغبشات الصغيرة التى تنعقد وتنحل على سطح الماء وتختفى بلا عودة.

نقطة فى طوفان.

احاول أن أفهم.

والموج يعلو.

منذ ألف سنه كان الموج يغطينى.

لم أكن موجودا.

وفى غيبوبة الصمت والسكون والاغراق فى التساؤل لم أسمع ذلك الصوت الذى كان يزحف سريعا مقتحما الشارع كأنه خنجر.

ومن خلفى ظهر ذلك الشئ الأسود فجأة .عربة طويلة أنيقة فارهة مثل سكين سوداء النصل .

وكانت لحظة قصيرة جدا حدث فيها كل شئ بسرعة مذهلة .

اصطدمت العر بة بالكورنيش محدثة صوتا فظيعا مروعا ،ثم تهشمت ووقفت كصر صور كبير فقد رأسه .

وتعاقبت بعد ذلك الاحداث فى نظام واستطراد دقيق.

انفتحت عدة نوافذ وابواب وخر جت وجوه سهرانة.

خدم المقاهى وعلب الليل وخفراء وبوابون .

وتجمعت حلقة صغيرة ،وامتدتعدة أعناق داخل العربة،وسمعت عبارات قصيرة مقتضبة :

_ نعم انه هو .

_الى جواره زجاجة الخمر فارغة كالمعتاد .

_مات....انتهى أجله

_يستحق هذه النهاية.

_فاسق سكير هاتك حرمات جمع ثرواته من بيع المخدرات.

_من قتل يقتل ولو بعد حين.

_بالأمس صدم طفلا فى هذا المكان.

_متزوج من ثلاث نساء وكان يلتقط فتيات الليل من الطريق.

_عمن يتحدثون...أنتم مخطئون.

_انه رجل آخر.

_ انه حضرة المقاول.

_الذى بنى عمارة الكورنيش التى انهدمت .

_الغشاش الذى غش فى المواصفاتوبنى العمارة بدون مسلح ليضاعف من أرباحه.

_الله لا يبارك فى الحرام.

_انهدمت العمارة على السكان الأبرياء وماتوا .

_ليشرب هو الخمر ويقود العربة البويك فى منتصف الليل كالمجانين.

_الله اقتص من الظالم.

_ولكنه ليس المقاول...ان المقاول لا يركب عربة سوداء....ان عربته حمراء وشيفروليه وهو الآن فى الكويت.

_اذن من يكون.

_لقد عرفته انه مدير السجن.

_الذى كان يعذب السجناء.

_دون أن تكون لديه أوامر.

_انه مريض بالسادية.

_هذا غير صحيح فمدير السجن معتقل الآن رهن التحقيق.

_نحن أمام رجل آخر.

_أظن أنه مدير الجرمك.

_الذى أثرى من التهريب.

_بل هو التاجر الكبير الذى نشرت عنه الصحف.

_الذى كان يتاجر فى أذونات الاستيراد.

_لا أظن فهو لا يبدو من ملامحه أنه مصرى.

_شكله ليرانى.

_بل تركى.

_أبدا ....هذه ملامح مألوفة ....لا يمكن أن يكون كون.

_هذا الوجه أجنبيا.

_اذن من يكون.

واحد..... أى واحد.

_كان يشرب الخمر وأفراغ الزجاجة.

_لماذا كان يشرب الخمر؟

_هذا شأن البواليس.

_لم يعد من شأن أحد.

وكانت الحلقة تتسع شيئا فشيئا ،والأسئلةتنداح كالدوائر،وجاء البواليس والاسعاف والنيابة والصحافة.

وكثرت الأسئلة .

وارتفعت الضوضاء.

أصبحت لغطا.

وفى الصباح وأنا أمر بالمكان فى طريقى الى عملى لم أجد العربة المهشمة....ولم أجدا أحدا .....ولا بقعة دم.

كانت الطيور البيض تلحق على الماء.

وصفارات السفن تسمع من بعيد ...وكل واحد يسير فى حاله.

انتهت الضوضاء .

وسور الكورنيش نظيف مغسول حتى الأسمنت الذى تهشم قد تم ترميمه وعادالى سالف حاله لاأثر.

ولا ذكرلذلك الذى كان...ثم لم يكن.

والسؤال مازال كما هو بلاجواب.

وأمواج البحر العالية ذابت واختفت.

وانبسط البحر كالحصير.

والماء مازال يوشوش هامسا بكلمة السر.

من كتاب الطوفان للدكتور مصطفى محمود

بارك الله فيكِ لعرضك لنا
هذه القصة الجميلة التى يُخيل إلىْ
أنها تصف أحوالنا الآن فقد احترنا فيما يحدث
من أننا كل ثانيةنجد بيننا شخص نبدأفى التشفى فيه
وننسى الكثير من تعاليم ديننا
اللهم ارحمنا واصلح أحوالنا
وربنا يوفقك فقراءتك لمصطفى محمود
هو عنوان جميل لثقافة نتمنى أن يحظى بها الجميع

تحياتى لك ولعالمنا الكبير د\مصطفى محمود الرجل الذى تحول الى ضوضاء 12897696761

تسلم الايادى اللى كتبت هذا الكلام الجميل

» الرجل الذى قتل مائه نفس ثم تاب
» الحلقه السادسه الرجل الذى هذ عرش النساء
» ورحل ابراهيم الفقى الرجل الذى أثرى حياة الكثيرين
» نقطة تحول حياتى
» حلب: تحول نوعي في حراك المدينة.. والحملة العسكرية على الريف تشتد في جمعة " حرب التحرير الشعبية"