وأخيراً
خلق الله سبحانه و تعالى الحياة على هذه الأرض فى نظام محكم و بقوانين
محددة و بحدوث شذوذ أو انحراف عن هذه القوانين الفطرية يحدث الخلل التدريجي
وفي النهاية قد يحدث انهيار للمجتمع بأسره .
تبدأ حياة الفرد في
بيت أسرته , و هذه الفترة هي التي تشكل حياته فيما بعد و تعمل على تحديد
ملامح شخصيته , و الشئ الطبيعي هو أن يكون هذا المحيط الأسري مبعثا للدفء و
الراحة و الحنان لهذا الطفل , فيكون الأب مسؤلا و محبا لأبناؤه , و يكون
مثلا أعلى يحتذى به , و كذلك الأم تشعر أبناءها بالدفء و الحب و الحنان
فهذا هو السلوك الطبيعي لأي أسرة سوية .
و لكن للأسف ليس هذا هو
الحال في معظم البيوت الآن , فهناك آباء يضربون أبناءهم بسبب أو بدون سبب ,
ثم يعللون هذا التصرف بأنهم يحسنون تربيته و هنا تبدأ الكارثة , فنفسية
الطفل التي تبدأ في التشكل في سن صغيرة في محيط الأسرة تتأثر تأثرا بالغا
بالتعرض لهذا الضرب أو الإهانة سواء من الأبوين أو ولي الأمر أيا كان .
بعض
الآباء يدعون أن ضربهم غير مبرح و بالتالي لن يتأثر الأبناء لأن هذا الضرب
"الخفيف" يكون بمثابة توبيخ حتى يعرف الطفل خطأه و لا يكرره مرة أخرى , و
هذا خطأ آخر.
فالحقيقة أنه حين يتعرض الطفل للضرب و الإهانة يشعر
بالخوف الشديد , لأن أبويه لم يلجئا إلى مناقشته أو تعريفه ما ارتكبه من
خطأ بطريقة هادئة مفيدة , لكنهم لجأوا إلى العنف فضرب الطفل تحت ادعاء أنه
يتم "تربيته" , فشعر بخوف شديد قبل الضرب و هو يرى أباه أو أمه مقبلا على
ضربه , أو في أثناء الضرب , و هو يشعر بألم شديد ثم يختبىء في مكان ما (
تحت السرير أو في الدولاب أو في الحمام ) , أو و هو يبكي في سريره قبل
النوم , هنا بدأ الخوف و الشعور بالذنب يتكون لدى الطفل , و ها هو قد بدأ
يتعلم درسا مهما للغاية ألا و هو ( عدم إخبار بابا أو ماما ثانية بما فعلت
أو قلت حتى لا يتم ضربي اذا لم يعجبهم مثل هذا التصرف )
هذا هو رجل - أو امرأة – المستقبل , غير صادق , جبان , فاقد الثقة بنفسه .
الواقع
إن الشعور المسيطر على الأم و الأب أثناء ضرب الطفل غالبا لا يكون بدافع
خوفهم عليه أو على أخلاقه أو لإصلاح سلوكه , و لكن الشعور الغالب وقت ضربه
هو الغضب الشديد و الانفعال الغير مروض الذي قد يدفعهم لفعل أي شئ ,
فيضربون طفلهم بغيظ و في أثناء الضرب يتم سبه بكلمات نابية يسمعها الطفل
ربما لأول مرة في حياته , و بذلك قد يكون تعلم دروس جديدة في محيط هذه
الأسرة ألا و هي السب و العنف و عدم كظم الغيظ .
ذكرت دراسة
صدرت في الولايات المتحدة بأن العقاب الجسدي ضد الأولاد يدفعهم إلى الكذب
ومعاداة المجتمع وانه كلما زاد العقاب الجسدي على الصغار زاد نفورهم ن
المجتمع وزاد كذبهم.
ويشير البحث الذي نشرته مجلة طب الأطفال
والشبيبة وتصدرها منظمة الأطباء الأمريكية إلى أن الأفكار التي يحملها
البعض بأن الضرب على قفا الصغير شيء مقبول ولا يؤثر مثلما يؤثر الصفع أو
الضرب على أعضاء أخرى من الجسم على الأطفال بأنها أفكار غير صحيحة.
وأوضحت
الدراسة أن الصغار الذين يتعرضون للضرب ينشأون كذابين اكثر من أبناء جيلهم
الذين لا يضربون ميلاً إلى العنف ضد الآخرين ولا يظهرون أية مشاعر ندم على
الأعمال العنيفة التي يقوم بها أو عن الأخطار التي يقعون فيها خلال مسيرة
حياتهم.
كما أن إحدى الظواهر الأخرى لهؤلاء الأطفال هو قيامهم
بتخريب وإبادة الأشياء بدون أي سبب كما انهم يرفضون إطاعة أساتذتهم في
المدارس وتنفيذ ما يطلبونه منهم. وقد بدأ الباحثون العمل على دراستهم هذه
في عام 1988 حيث وجهوا أسئلة إلى 807 من الأمهات وقع الاختيار عليهن بصورة
عفوية وتبين أن 44 في الميه منهم ضربوا أولادهم بين الأعمار 6 إلى 9 سنوات
وتبين أن 10 في الميه من الأمهات اللواتي سئلن قد ضربن أطفالهن اكثر من 3
مرات و14.1 في الميه مرتين و19.8 مرة واحدة.
ويؤكد الباحثون في دراستهم على أن تخفيف العقاب الجسدي أو حتى إلغاءه سيساعد الطفل على تغيير تصرفاته المعادية للمجتمع.
وقد جاءت هذه الدراسة ضمن المحاولات الأمريكية معرفة أسباب العنف الذي يجتاح المجتمع الأمريكي.
1- كره الناس... وخصوصا أبويه... لانه يشعر بعدم محبتهم
2- الإنطواء
3- يتولد له الحقد لدى المجتمع
4- يسلك أسلوب ... و العياذ بالله الحرام
5- في حالات ... يصاب بالكسسسل
6- يقوم ببعض عمليات الإنتقام
7- الأم مدرسة إذا أعدتها أعدة شعباً طيب
إن حوادث العنف التي يرتكبها الكبار ضد الأطفال مهما كانت صغيرة فإنها تترك جرحا نفسيا عميقا .
وان
هذا الجرح تراكمي مع استمرار الاعتداء بالضرب علي الطفل . إنما يمكن أن
نؤكد ذلك إذا نظر كل منا إلى ذكريات طفولته . إن أسوأ ذكريات الطفولة هي
تلك التي تعرضنا فيها للضرب من أبوينا والبعض يجد أن مثل هذه الذاكرة غير
محببة فيحاول التقليل منها وان يتحدث عنها بشكل فكاهي .
إن سرد مثل
هذه المواقف سوف يخفي الابتسامة من الوجه وإذا حدثت الابتسامة فانه الخجل
هو الذي جعل أصحابها يبتسمون، وكحماية من الألم فإننا نتناسى هذه المواقف
الصعبة وأكثر حوادث العنف ضد الأطفال هو التلطيش أو الضرب بالأقلام وفي
محاولة لإنكار هذه الذكريات وتأثيرها فان البعض يرفض اعتبار التلطيش عنف ضد
الأطفال ويدعي بان هذا الضرب له تأثيره قليل .
إن مثل هذا الضرب علي الوجوه مثل التسمم الغذائي الذي يمكن علاجه وينجو منه الإنسان بدون أي أعراض مستقبلية ولكن من منا يحبه .
إن قدرة الإنسان على التعايش مع الضرب على الخدود ليس معناه أن له قيمة جميلة .
إن
خطر هذا الضرب كبير ولكن بعض الآباء يجادلون ويقولون ولكن كيف تكون أبا أو
أما مسئولين إذا لم تسيطر على الطفل وتمسكه بقوة أثناء عبور الطريق وحقيقة
الأمر فإن ضرب الأطفال على الخدود يدخلهم في غضب عاطفي هائل يجعلهم غير
قادرين علي تعلم دروس الكبار.
إن مثل هذا الضرب سوف يشفي غليل
الكبار ولكن على حساب إحداث غضب هائل في الصغار وحيث يكون غضب الكبار مؤقت
فان ضرب الطفل علي الوجه يستمر أثره ولا يحدث التأثير التعليمي المطلوب .
إن هذا الضرب يعطي الأطفال إحساسا أن من حولهم من الكبار خطرين عليهم فيبتعدون عنهم .
و فقدان الثقة إن كثرة الاعتداء بالضرب علي الوجوه عند الطفل يفقده الثقة في الوالدين ويحدث تآكلا في حبه لهم .
إن
الطفل الذي يضرب بانتظام لا يستطيع أن يعتبر الأبوين مصدر حب وحماية وأمن
وراحة وهي العناصر الحيوية للنمو الصحي لكل طفل وفي حين الطفل يظهر الأبوان
بصورة مصدر الخطر والألم .
* إن حماية الطفل وتغذيته يجب أن
يكونوا غير مشروطين بأي سلوك يحدث منه وهذا الغذاء والحماية ينظر لهم من
محتوي هذا العنف فيرفضون هذا الطعام وهذه الحماية . إن هؤلاء الأطفال الذين
يضربون يكونون مثل الأطفال الذين ينكر عليهم حقهم في طعام كاف أو تلقي
الدفء والراحة ،ويعانون من فشل نموهم بابشع صورة .
×××××××××××××××××××××××××
أن العقوبة الجسدية من أحد الأساليب الشرعية التربوية متى ما استعمل على الوجه الصحيح.
قال لقمان الحكيم: ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع.
وعن سبرة بن معبد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'علّموا الصبيَ الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشرٍ'.
فالعلم
والتوجيه والإرشاد أولاً في وقت كافٍ ليدرك ويتعلم ويقوم ما أمر به، فثلاث
سنوات لتعلم الصلاة من أحكام وآداب مدة تناسب هذه الشعيرة العظيمة.
فعندما
يرى المربي - لا سيما الوالدين - أن الولد استحق العقوبة الجسدية وسوف
يجعلها سبباً في صلاحه واستقامته، ودافعًا إلى الأفضل والأكمل لا دافع
انتقام، ويكون ذلك حينما يسلك الطرق المؤصلة إلى ذلك، وهي:
أ] ـ
التدرج في العقوبة, فهناك فهم خاطئ وهو حصر العقوبة بالضرب، مع أن أسلوب
العقاب متعدد؛ فمنه المنع؛ فيمنع من الأشياء التي اعتاد عليها من الوالدين
كالمال، والتأخير عن الاستجابة لبعض متطلباته، والهجر, فمقاطعة الأب أو
الأم للولد، وعدم الحديث معه له تأثير قوي على الولد قد يكون أشد من الضرب.
ب] ـ أنه لا يلجأ إلى العقوبة الجسدية إلا في أضيق الحدود، وأن تكون آخر حلول العلاج لا أوله، فآخر العلاج الكي.
ج]
ـ لا يكون العقاب أمام الآخرين كزملائه في الدراسة، أو في الحي، أو أمام
إخوانه. وأيها المربي تجنب كل ما فيه إهانة له، وكذا أسلوب التعميم: 'أنت
من طبعك الخطأ، أو أنت لا تعمل شيئاً صواباً أبداً'.
د] ـ لا يعاقب على خطأ ارتكبه للمرة الأولى، فعند الخطأ الأول يأتي دور التوجيه والإرشاد، وتوضيح عواقب الوقوع فيه مرة آخر.
هـ]
ـ الابتعاد عن القسوة، والإفراط في العقوبة؛ فالقسوة دليل ضعف في الإنسان
فضلاً عن المربي، فلا يكون العقاب مبرحاً للبدن، وذلك بأن لا تكون في حالة
ثورة غضب. فحين يفرط المربي بإنزال العقوبة فسينقلب الأمر إلى تأثير مضاد،
ومن ثم يشعر الولد أنه مظلوم، فينشغل بالعقوبة عن الإصلاح، أو أن يتعدى
الأمر إلى أبعد من ذلك، وهو كره أبيه أو مربيه.
ونقيض القسوة
الإهمال وغض الطرف وترك الحبل على الغارب، فكثير من الأبناء الذين انجرفوا
في سيل الانحراف، وانغمسوا في وحل الضياع، وجنوح طريق الشهوات ضحية لهذين
الطريقين الخاطئين: القسوة، والإهمال.
××××××××××××××××××××××××
إن
العقاب هو إلحاق أذى نفسي أو بدني بالطفل جزاء على سلوك معين قام به. وهو
أمر صحي ومعتبر إذا كان توظيفه في عملية التربية مقتصرا وملتزما بحجمه
الصحيح وبمواصفات استخدامه التربوية.
والعقاب هو أحد وسائل التربية وليس
أهمها أو كلها؛ بل ربما يكون أضعفها، فقد قسم علماء التربية الوسائل
التربوية حسب أهميتها كالتالي: القـــدوة، والثــواب، والعقــاب.
أي إن
العقاب يأتي في مؤخرة الوسائل التربوية، ومع هذا نجد أن المربين غالبا ما
يبدءون به ويبالغون في التركيز عليه؛ ربما لأنه يحقق نتائج سريعة يرغبونها.
فإذا أراد الأب من ابنه أن يذاكر وتكاسل الابن عن ذلك؛ فقد يلجأ الأب لضرب
الابن حتى يجلس على المكتب وينظر في الكتاب، وهنا يظن الأب أنه استراح
وانتصر؛ لأنه حقق ما يراه صحيحا لابنه... ولكن في الحقيقة إن التغير الذي
حدث للابن نتيجة العقاب هو تغير شكلي وسطحي؛ فالطفل لا يذاكر في الواقع
وإنما جلس ينظر في الكتاب لتفادي غضب الأب، والنتيجة هي كراهية الابن
للمذاكرة وللدراسة عموما.
على الرغم من ارتباط العقاب بالضرب واختزاله فيه، فإن للعقاب مفهوما واسعا يشمل أشياء كثيرة يمكن أن نجملها في النوعين التاليين:
1-
العقاب النفسي: كنظرة اللوم والعتاب أو نظرة الاعتراض من الوالدين، أو
الانتقاد أو التوبيخ أو الحرمان من أشياء يحبها الطفل، أو حبسه في غرفة...
إلخ.
2- العقاب البدني: ويشمل الضرب أو أي نوع من أنواع الإيذاء البدني.
ثم
إن للعقاب مجموعة من القواعد الصحية التي يجب الالتزام بها واتباعها إذا
اضطررنا له في أثناء عملية التربية؛ حتى يستفيد الطفل منه ويكون معينا له
على التعلم من بعض أخطائه وتعديل سلوكه:
يجب أن يعرف الطفل الأشياء التي تستوجب العقاب مسبقا، بمعنى أن تكون هناك قواعد واضحة في البيت أو المدرسة لما هو صحيح وما هو خطأ.
- أن يتم تحذير الطفل بأن تجاوزه للقواعد المعروفة والمعلنة سوف يعرضه للعقاب.
- أن يكون العقاب إصلاحيا لا انتقاميا، أي ليس بسبب الحالة المزاجية المضطربة للأم أو الأب.
-أن
يكون في مصلحة الطفل لا في مصلحة المربي صاحب السلطة؛ فبعض الأمهات يضربن
أطفالهن لأنهن يشعرن بالراحة بعد ذلك؛ فقد نفَّسن عن مشاعر غضب لديهن.
-أن
يكون العقاب متدرجا ومتناسبا مع شخصية الطفل؛ فالطفل الذي تردعه النظرة
يجب ألا نوبخه، والطفل الذي ينصلح بالتوبيخ يجب ألا نضربه... وهكذا.
- أن يكون العقاب متناسبا مع الخطأ الواقع.
- أن تكون له نهاية، فمثلا نقرر حرمان الطفل من المصروف لمدة 3 أيام يأخذ بعدها المصروف.
-
أن يشعر الطفل أن العقاب وقع عليه بسبب سلوك سيئ فعله وليس لأنه هو نفسه
سيىء، بمعنى أن العقاب ليس موجها إلى شخصه ولا انتقاما منه، وإنما بسبب
فعله الخاطىء الذي جر عليه العقاب.
وأخيرا: نعود ونؤكد على أن العقاب
ليس مرادفا للتربية، وإنما هو أحد وسائلها وليس أهمها، فلا معنى أن تختزل
التربية في العقاب ويختزل العقاب في الضرب.
** منقول **