نهاية العام الميلادي تعني للملايين كل عام فرحة وترقب استعدادا
لاستقبال عام جديد مليء بالأمنيات والأحلام بمستقبل أفضل. لكن هذه الفترة
من العام لا تعني ذلك بالمرة بالنسبة لطلبة وطالبات المدارس والجامعات، بل
هي على العكس الوقت الذي تعلن فيه حالة الطواريء في منازلهم ويصيبهم خلالها
حالة شبه مرضية من التوتر والقلق بسبب اقتراب موعد امتحانات نصف العام،
والتي تكون غالبا في بداية العام الجديد.
وبينما يحتفل الجميع ويتحدثون ببهجة عن قرب وصول العام الجديد، يتصاعد
الخوف والقلق في نفوس الطلبة والطالبات وتنصب معظم حواراتهم معا حول
الاستعداد للامتحانات والخوف من احتمال صعوبة الأسئلة والضغوط التي يمارسها
الأهل عليهم حتى يهتموا أكثر بالمذاكرة.
هذا بالإضافة إلى تردد طلبة المرحلة الإعدادية والثانوية على وجه الخصوص
بشكل منتظم على مراكز الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية، بينما باقي الناس
يترددون على مراكز التسوق الكبرى لشراء هدايا العام الجديد!
ويجب هنا التأكيد على أن الأهل يلعبون دورا رئيسيا في رفع مستوى التوتر
بل والرعب الذي يشعر به المراهقون عند اقتراب موعد الامتحانات، حيث تعلن في
البيوت حالة الطواريء ويفرض على الأبناء ما يشبه الحصار المفروض على مدينة
محاصرة، فيصبح أقل قدر من المرح أو اللعب ممنوعا، ويكون هناك جدول مواعيد
صارم يجب على الأبناء الالتزام به بكل دقة، ولا يحتوي سوى على مواعيد
الذهاب للمدرسة والحصول على دروس التقوية المختلفة ثم المذاكرة مع تخصيص
وقت لا يكاد يذكر لتناول الطعام.
لا مشاهدة للتليفزيون ولا تمضية بعض الوقت أمام شاشة الكمبيوتر أو ألعاب
الفيديو ولا ذهاب للنادي أو حتى الخروج في نزهة بسيطة لكسر الرتابة
والتخلص قليلا من جو التوتر والقلق الذي يكاد يفتك بأعصاب الأبناء.
لا أحد يمكن أن يلوم الأهل على خوفهم على أبنائهم وحرصهم على توفير الجو
المناسب لهم - من وجهة نظر الكبار- حتى يمكنهم الاستعداد كما يجب
للامتحانات المقبلة، لكن يجب أن نتفق كذلك على أن الكثير من الآباء
والأمهات يبالغون في الإجراءات التي يتخذونها ويحولون الامتحانات لمسألة
حياة أو موت. النجاح في امتحانات نصف العام أمر مهم بالطبع لكنه ليس نهاية
العالم، فهذه الامتحانات مجرد اختبار لمدى استفادة الطالب من المناهج التي
درسها خلال النصف الأول من العام، وهو ما سيظهر من خلال الدرجات التي سيحصل
عليها في المواد المختلفة، وبالتالي يمكن معرفة نقاط الضعف لدى الطالب
وتداركها بشكل أفضل قبل حلول موعد امتحانات نهاية العام الدراسي بحيث يمكنه
تحقيق نتيجة أفضل فيها ترفع من مجموع درجاته في النهاية.
يجب أيضا ألا يغيب عن ذهن الوالدين أن امتحانات نصف العام في معظم
الأحيان تكون في سنوات النقل وليست في الشهادات النهائية التي تتوقف على
نتيجتها انتقال الطلبة والطالبات لمرحلة دراسية جديدة. أي أن الأمر ليس
بهذه الخطورة التي تستدعي حالة تأهب قصوى ومعسكرا مغلقا بمنتهى الصرامة
يوديان بالأبناء إلى ما يشبه الانهيار العصبي أو ما يطلق عليه الأطباء
النفسيين "متلازمة توتر ما قبل الامتحانات".
الأفضل من كل ذلك هو تربية أبنائنا منذ البداية على تحمل المسئولية
والفصل بين الهزل والجد، وهنا سنجدهم من تلقاء أنفسهم ينظمون أوقاتهم
ويجتهدون في المذاكرة منذ بداية العام الدراسي وليس في أيام الامتحانات
فقط، ودون أن ينسوا نصيبهم من المرح واللهو والترفيه لوقت محدد حتى يتجدد
نشاطهم ويستعيدوا كامل طاقتهم وصفاءهم الذهني حتى يمكنهم مواصلة المذاكرة
من جديد بهمة ورغبة حقيقية في النجاح، ودون الإحساس بالرعب والتوتر المرضي
الذي قد يؤثر سلبا على أدائهم في الامتحانات وتكون نتيجته عكس ما يرغب
الآباء تماما.